عنوان الفتوى : حكم طلاق المعتدة من طلاق رجعي
طلقت زوجتي طلقة واحدة فقط، وبعد فترة وهي في العدة خرجت من بيت أهلها وذكرت لهم أنها إذا خرجت ثانية، فهي حرام علي بالثلاث، وطالق بالثلاث، ومع الأسف خرجت، فهل يقع الطلاق، علماً بأن خروجها كان عنادا، ويبدو أنه كانت عليها الدورة في خروجها، وسوف تحضر مع أهلها بعد يومين لتقضي العدة هنا؟ وهل تعتبر في حكم المطلقة بالثلاث أو في الطلقة الأولى لكونها في العدة وعليها الدورة؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمطلقة الرجعية يلحقها الطلاق في العدة، قال ابن مفلح ـ برهان الدين ـ الحنبلي رحمه الله: والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء، ويباح لزوجها وطؤها والخلوة بها والسفر بها. اهـ
والمفتى به عندنا أنّ الطلاق في الحيض أو في طهر حصل فيه جماع، طلاق نافذ رغم بدعيته، والطلاق المعلّق بلفظ الثلاث يقع به الثلاث عند الحنث، وهذا قول أكثر أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 5584.
وعليه، فالمفتى به عندنا أنّ زوجتك طلقت منك ثلاثاً وبانت منك بينونة كبرى، ولا تملك رجعتها إلا إذا تزوجت زوجاً غيرك ـ زواج رغبة لا زواج تحليل ـ ويدخل بها الزوج الجديد ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه، لكن إذا كانت زوجتك قد خرجت من البيت بقصد تحنيثك في يمين الطلاق، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع الطلاق بفعلها، قال الدسوقي المالكي رحمه الله: .. وَلَوْ عَلَّقَهُ على فِعْلِهَا.. كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَدَخَلَتْهَا قَاصِدَةً حِنْثَهُ فَتَحْرُمُ عليه عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعَامَلَةً لها بِنَقِيضِ قَصْدِهَا.
وقال ابن القيم رحمه الله: المخرج السابع: أخذه بقول أشهب من أصحاب مالك، بل هو أفقههم على الإطلاق، فإنه قال إذا قال الرجل لامرأته إن كلمت زيدا أو خرجت من بيتي بغير إذني ونحو ذلك مما يكون من فعلها فأنت طالق، وكلمت زيدا أو خرجت من بيته تقصد أن يقع علها الطلاق، لم تطلق، حكاه أبو الوليد ابن رشد في كتاب الطلاق من كتاب المقدمات له وهذا القول هو الفقه بعينه ولا سيما على أصول مالك وأحمد في مقابلة العبد بنقيض قصده. اهـ
ومادام في المسألة تفصيل وخلاف بين أهل العلم، فالذي ننصح به أن تعرضوا المسألة على من تمكنكم مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم وورعهم، وننبه إلى أنّ المطلقة الرجعية تلزم بيت زوجها في العدة، ولا يجوز لها الخروج منه لغير ضرورة، ولا يجوز لزوجها إخراجها منه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {الطلاق: 1}.
وجاء في شرح منتهى الإرادات: وَرَجْعِيَّةٌ فِي لُزُومِ مَنْزِلِ مُطَلِّقِهَا لَا فِي الْإِحْدَادِ كَمُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَصًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ {الطلاق: 1} وَلَا يَخْرُجْنَ ـ وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا الْمُطَلِّقُ فِي الْخُرُوجِ أَوْ لَا، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِدَّةِ وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ إسْقَاطَ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا، كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا أَيْ الْعِدَّةِ. اهـ
والله أعلم.