عنوان الفتوى : تهافت ومآلات الزعم بوحدة الأديان

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم من يؤمن بوحدة الأديان، وأن الأديان السماوية واحدة، ويدعو إلى ذلك؟ وماذا ينتج عن هذه العقيدة من تفرعات، ومنها: قبول العمل الصادر من أصحاب الديانات السماوية، وحتمية دخولهم الجنة، وحل المناكحة فيما بينهم، وعدم شرعية قتل المرتد عن الإسلام، وغيرها؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فإن القول بأن الأديان السماوية شيء واحد إن كان صاحبه يعني أن دين الأنبياء واحد وهو الإسلام القائم على الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة؛ فإن هذا القول حق، ولا إشكال فيه، وقد بيّنّا في عدة فتاوى أن دين الأنبياء واحد وهو الإسلام، وانظر الفتوى رقم: 39118. وإن كان صاحب تلك المقولة يعني أن دين الإسلام والأديان المحرفة كالنصرانية واليهودية كلها دين واحد، وكلها من عند الله؛ فلا شك أن هذا ضلال مبين، ومخالف لكتاب الله تعالى، بل مخالف لما يدل عليه العقلُ بداهةً؛ إذ كيف يقول عاقل بأن الدين الذي يقول بالتثليث وأن الله اتخذ صاحبةً وولدًا -تعالى الله عن ذلك- هو عين الدين الذي يقول بأن الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأن كليهما من عند الله ؟!! ولا يمكن لعاقل أن يقول إن الدين الذي يقول أتباعه بأن محمدًا رسول الله هو عين الدين الذي يقول أتباعه بأن محمدًا ليس رسول الله، وأنهما دين واحد من عند الله!! هذا لا يقوله إلا مخبول العقل، وإننا ننصح إخواننا المسلمين بقراءة ما كتبه العلامة عضو هيئة كبار العلماء الشيخ/ بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله تعالى- في كتابه "الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان"؛ فإنه من أفضل ما كُتب في رد هذه الفرية والضلالة، وانظر الفتوى رقم: 33974.

والقول بأن من يدين بغير الإسلام يدخل الجنة, هذا القول من جملة الضلال الذي يروج له أصحاب الخلط بين دين الإسلام وأديان الكفر، وهو مصادم لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ. متفق عليه. قال النووي في شرح مسلم: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَصْلًا، وَهَذَا النَّصُّ عَلَى عُمُومِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.

وحِلُّ نكاح المسلم للكتابية من اليهود والنصارى ليس لأن دينهما واحد أو لأنها على دين الحق، وأنها لو ماتت على دينها ستدخل الجنة، بل الحكمة من حل نكاحها هو مَظِنَّةُ دخولها في الإسلام، كما قال أهل العلم؛ جاء في حاشية الرملي على أسنى المطالب من كتب الشافعية: ذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إبَاحَةِ الْكِتَابِيَّةِ مَا يُرْجَى مِنْ مَيْلِهَا إلَى دِينِ زَوْجِهَا، فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ الْمَيْلُ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَإِيثَارِهِنَّ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَلِهَذَا حَرُمَتْ الْمُسْلِمَةُ عَلَى الْمُشْرِكِ إشْفَاقًا مِنْ أَنْ تَمِيلَ إلَى دِينِهِ. اهـ.

وقتل المرتد عن الإسلام ولو لليهودية أو النصرانية جاءت به الأحاديث الصحيحة، وأجمع عليه أهل العلم، كما بيناه بأدلته في الفتوى رقم: 13987.

وما من شك أن هذه المعتقدات الباطلة إنما هي نتاج للسلطة الغالبة والمتسلطة على المسلمين؛ فإن الضعيف مع قلة العلم والحيلة غالبًا ما يتأثر بالقوي ويخضع لمعتقداته، والقوة والغلبة في زماننا للكفر وأهله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والله تعالى أعلم.