عنوان الفتوى : قول: "استطاع الجسد" ونحوها مع اعتقاد أن الفاعل هو الله تعالى
أسمع من أساتذة الطب وهم يشرحون كلامًا لا أستسيغه، مثل: فنجحنا أنا وأنت أن نفعل كذا ـ بعد أن يشرح مسار عصب، أو شيئًا قد فعله الجسد ـ مجازًا ـ وهو ونحن نعلم أن الفاعل هو الله، وكذلك مثل قول: استطاع الجسد، فهل يجوز ذلك من باب المجاز -جزاكم الله خيرًا-؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ما يقوم بالمخلوقين من أفعال، أو صفات، وغيرها ينسب إليهم نسبة حقيقية، باعتبارهم فاعلين لها حقيقة، وأنها قائمة بهم، فنسبة استطاعة الإنسان إلى جسده، كقول: استطاع الجسد ـ أو قول الشخص: فنجحنا أنا وأنت أن نفعل كذا ـ كل ذلك تعبير صحيح، لا إشكال فيه أبدًا.
وأما اعتقاد أن العباد غير فاعلين على الحقيقة، وأن أفعالهم تنسب لهم نسبة مجازية، وأن الفاعل لأفعالهم حقيقة هو الله، فهذا قول بدعي، قال ابن تيمية: وبالجملة؛ فجمهور أهل السنة من السلف والخلف يقولون: إن العبد له قدرة، وإرادة، وفعل، وهو فاعل حقيقة، والله خالق ذلك كله، كما هو خالق كل شيء، كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، قال تعالى عن إبراهيم: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك {سورة البقرة: 128}، وقال تعالى عن إبراهيم: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي {سورة إبراهيم: 40}، وقال تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا {سورة السجدة: 24}، وقال تعالى: وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين { سورة الأنبياء: 73}، وقال: إن الإنسان خلق هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا {سورة المعارج: 19، 21}، فأخبر أن الله يجعل المسلم مسلمًا، والمقيم للصلاة مقيم الصلاة، والإمام الهادي إمامًا هاديًا، وقال عن المسيح صلى الله عليه وسلم: وجعلني مباركًا أين ما كنت، إلى قوله: وبرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارًا شقيًّا {سورة مريم: 31، 32}، فبين أن الله هو الذي جعله برًّا بوالدته، ولم يجعله جبارًا شقيًّا، وهذا صريح قول أهل السنة في أن الله عز وجل خالق أفعال العباد، وقال تعالى عن فرعون وقومه: وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار {سورة القصص: 41}، وقد قال تعالى: لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين {سورة التكوير: 28ـ 29}، وقال تعالى: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلًا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليمًا حكيمًا {سورة الإنسان: 29ـ 30}، وقوله: كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره {سورة المدثر: 54ـ 55}، فأثبت مشيئة العبد، وأخبر أنها لا تكون إلا بمشيئة الرب تعالى، وهذا صريح قول أهل السنة في إثبات مشيئة العبد، وأنها لا تكون إلا بمشيئة الرب، وقد أخبر أن العباد يفعلون، ويصنعون، ويعملون، ويؤمنون، ويكفرون، ويتقون، ويفسقون، ويصدقون، ويكذبون، ونحو ذلك في مواضع كثيرة، وأخبر أن لهم استطاعة، وقوة في غير موضع، وأئمة أهل السنة، وجمهورهم يقولون: إن الله خالق هذا كله، والخلق عندهم ليس هو المخلوق، فيفرقون بين كون أفعال العباد مخلوقة مفعولة للرب، وبين أن يكون نفس فعله ـ الذي هو مصدر فعل يفعل فعلًا ـ فإنها فعل للعبد بمعنى المصدر، وليست فعلًا للرب تعالى بهذا الاعتبار، بل هي مفعولة له، والرب تعالى لا يتصف بمفعولاته، ولكن هذه الشناعات ـ يعني: التي ذكرها ابن المطهر الرافضي ـ لزمت من لا يفرق بين فعل الرب ومفعوله، ويقول مع ذلك إن أفعال العباد فعل لله، كما يقول ذلك الجهم بن صفوان وموافقوه، والأشعري وأتباعه، ومن وافقهم من أتباع الأئمة. اهـ منهاج السنة.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 226378.
والله أعلم.