عنوان الفتوى : هدي السلف في مسألة المفاضلة بين العلماء
من الأحفظ والأعلم بالحديث والرجال: أبو بكر بن أبي شيبة أم أبو داود صاحب السنن؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأمام أبا بكر بن أبي شيبة، وتلميذه الإمام أبا داود السجستاني؛ كلاهما من أئمة المحدثين الحفاظ، وفقهائهم.
وأما التفضيل بينهم: فلا سبيل لنا إليه؛ إذ لا نعلم كلامًا للعلماء في المفاضلة بينهما، والتفضيل بين العلماء مسلك وعر، لا يولج فيه إلا عند الحاجة، وممن كان أهلًا لذلك، وموازيًا للمفاضَل بينهم في رتبة العلم؛ جاء في الأشباه والنظائر للسبكي: مسألة: رجل قال لامرأته: إن لم يكن الشافعي أفضل من أبي حنيفة فأنت طالق. فقال آخر: إن لم يكن أبو حنيفة أفضل فامرأتي طالق. فمن الذي تطلق امرأته؟.
الجواب: قيل: لا تطلق امرأة واحد منهما؛ لأن الأمر في ذلك ظنيّ، والأصل بقاء النكاح. وقال القفال: لا نجيب في هذه المسألة، وهذا من محاسن القفال؛ فإن الدخول بين أئمة الدين والتفضيل بينهم لمن لم يبلغ رتبتهم لا يحسن، ويخشى من غائلته في الدنيا والآخرة، وقل من استعمله فأفلح.
ولا يخفى أن القفال يعتقد رجحان الشافعي؛ ولكنه ليس أمرًا ينبغي له ذكره وإشاعته، وأنه آيل إلى التعصب المذموم، وربما كان سببًا إلى الوقيعة في العلماء الموجبة لخراب الديار. اهـ.
والإمساك عن الكلام في المفاضلة بين العلماء دون موجب من هدي أئمة الإسلام؛ قال ابن رجب: وأهل العلم النافع يسيئون الظن بأنفسهم، ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء، ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم، وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها.
وما أحسن قول أبي حنيفة وقد سئل عن علقمة والأسود: أيهما أفضل؟ فقال: والله ما نحن بأهل أن نذكرهم، فكيف نفضل بينهم؟!
وكان ابن المبارك إذا ذكر أخلاق من سلف ينشد: لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد.اهـ. من فضل علم السلف على الخلف.
فنوصيك بالعناية بتحصيل العالم النافع، وألا تشتغل بشأن المفاضلة بين العلماء الكبار. وراجع الفتوى رقم: 64277.
والله أعلم.