عنوان الفتوى : حرقوص بن زهير السعدي؛ هل كان خارجيا ، أم منافقا؟
حرقوص بن زهير السعدي خارجي أو منافق؟ وهل المنافقون يجاهدون؛ لأن حرقوص جاهد مع المسلمين في فتح فارس وفتح سوق خرسان؟
الحمد لله.
حرقوص بن زهير السعدي، لا يمكن القطع بشخصيته، فليس هناك روايات ثابتة تقطع بحاله، واسمه يتردد في ترجمة ذي الخويصرة التميمي، وذي الثدية الخارجي.
أولا:
فالذي يمكن القطع به بداية: هو أن ذا الخويصرة التميمي غير ذي الثُّدَيَة الخارجي، كما يتبيّن من ظاهر حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قَسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ. قَالَ: وَيْلَكَ، مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: لَا، إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى فَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري (6163)، ومسلم (1064).
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن ذي الثدية: آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، فلو كان هو ذا الخويصرة لما احتاج أن يصفه لهم؛ لأنهم كانوا قد شاهدوه وعرفوه، ولقال لهم بأن آية هؤلاء الخوارج هذا الرجل.
ثانيا:
ذو الخويصرة التميمي لم نقف على ما يقطع بأن اسمه حرقوص بن زهير، بل هو مجرد قول من الأقوال التي ذكرت بلا مستند.
فلم يرد في روايات حديث أبي سعيد الخدري تسمية ذي الخويصرة بحرقوص، إلا في رواية عند الثعلبي في "التفسير" (13/415)، حيث قال:
أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمَّد، أخبرنا أحمد بن محمَّد بن الحسن، أخبرنا محمَّد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ( بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسمًا -قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت غنائم هوازن يوم حنين -إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي، وهو حُرقوص بن زهير أصل الخوارج ... ).
وعلّق الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، على هذه الرواية بقوله:
" وأخرجه الثعلبي، ثم الواحدي في "أسباب النزول" من طريق محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرزاق، فقال: ابن ذي الخويصرة التميمي، وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج، وما أدري من الذي قال: وهو حرقوص إلخ...
وأكثر ما جاء ذكر هذا القائل في الأحاديث مبهما " انتهى من "فتح الباري" (12/292).
وقد أخرج عبد الرزاق هذا الخبر في "المصنف" (10 / 146)، ولم يذكر اسم حرقوص، بل قال:
عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ قِسْمًا إِذْ جَاءَهُ ابْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟... الحديث.
ورواه البخاري (6933) من طريق معمر، لكن سُمِّي ابن ذي الخويصرة بعبد الله وليس بحرقوص، حيث قال البخاري: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: " بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ، جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: وَيْلَكَ! مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ... الحديث.
وذو الخويصرة عده أهل العلم في المنافقين، ولذا توقف جمع من المصنفين عن ذكره في الصحابة؛ إلا ما كان من ابن الأثير، وقد تعقّبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى؛ فقال:
" ذو الخويصرة التميمي، ذكره ابن الأثير في الصحابة مستدركا على من قبله، ولم يورد في ترجمته سوى ما أَخرجه البخاريّ من حديث أبي سعيد، قال: "بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قَسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ. قَالَ: وَيْلَكَ، مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ... الحديث.
وأَخرجه من طريق "تفسير الثعلبي"، ثم من طريق "تفسير عبد الرزاق" كذلك، ولكن قال فيه: إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي، وهو حرقوص بن زهير. فذكره.
قلت: ووقع في موضع آخر في "البخاريّ": فقال عَبد الله بن ذي الخويصرة.
وعندي في ذكره في الصحابة وقفة... " انتهى من "الإصابة" (3 / 420 - 421).
طالع للفائدة جواب السؤال رقم: (197919).
ثالثا:
وأما ذو الثدية الخارجي، فلم ترد رواية صحيحة تسمّيه بحرقوص، وأهل الأخبار أيضا لم يتفقوا على تسميته بحرقوص.
روى أبو داود (4770)، قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: " إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُخْدَجُ لَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ فِي الْمَسْجِدِ، نُجَالِسُهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكَانَ فَقِيرًا، وَرَأَيْتُهُ مَعَ الْمَسَاكِينِ يَشْهَدُ طَعَامَ عَلِيٍّ مَعَ النَّاسِ وَقَدْ كَسَوْتُهُ بُرْنُسًا لِي ". قَالَ أَبُو مَرْيَمَ: " وَكَانَ الْمُخْدَجُ يُسَمَّى نَافِعًا ذَا الثُّدَيَّةِ، وَكَانَ فِي يَدِهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، عَلَى رَأْسِهِ حَلَمَةٌ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ مِثْلُ سِبَالَةِ السِّنَّوْرِ ".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ اسْمُهُ حُرْقُوص".
فالحاصل؛ أن حرقوص بن زهير السعدي لم يقم دليل على أنه ذو الخويصرة ، ولا على أنه ذو الثدية.
وكونه حضر فتوح بعض البلدان ثم صار خارجيا، كذلك لم يرد بإسناد ثابت، بل ذكره الطبري بأسانيد متروكة لا يعتد بها.
قال الطبري رحمه الله تعالى في "التاريخ" (4/76):
" كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: بينا الناس من أهل البصرة وذمتهم على ذلك وقع بين الهرمزان وبين غالب وكليب في حدود الأرضين اختلاف وادعاء، فحضر ذلك سلمى وحرملة لينظرا فيما بينهم، فوجدا غالبا وكليبا محقين والهرمزان مبطلا، فحالا بينه وبينهما، فكفر الهرمزان أيضا ومنع ما قبله، واستعان بالأكراد، فكثف جنده وكتب سلمى وحرملة وغالب وكليب ببغي الهرمزان وظلمه وكفره إلى عتبة بْن غزوان، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر يأمره بأمره، وأمدهم عمر بحرقوص بْن زهير السعدي، وكانت له صحبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره على القتال وعلى ما غلب عليه فنهد الهرمزان بمن معه وسلمى وحرملة وغالب وكليب، حتى إذا انتهوا إلى جسر سوق الأهواز أرسلوا إلى الهرمزان: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم، فقال: اعبروا إلينا، فعبروا من فوق الجسر، فاقتتلوا فوق الجسر مما يلي سوق الأهواز، حتى هزم الهرمزان ووجه نحو رامهرمز، فأخذ على قنطرة أربك بقرية الشغر حتى حل برامهرمز، وافتتح حرقوص سوق الأهواز " انتهى.
وهذا خبر لا يعتمد عليه؛ في إسناده سيف: وهو متروك الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" سيف بن عمر التميمي الأسدي، له تواليف متروك باتفاق، وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة. قلت: أدرك التابعين، وقد اتهم، قال ابن حبان: يروي الموضوعات " انتهى من "المغني" (1/ 292).
ثم ساق الطبري في (4/ 348 - 349) بنفس الإسناد: أن حرقوص بن زهير كان من ضمن من خرج على عثمان رضي الله عنه.
ثم ساق في مواضع أخرى من طريق أبي مخنف: أن حرقوص هذا أصبح من الخوارج الذين قاتلوا عليا رضي الله عنه.
قال الطبري (5/73) : " قال أبو مخنف: عن أبي المغفل، عن عون بن أبي جحيفة، أن عليا لما أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة، أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي، فدخلا عليه فقالا له: لا حكم إلا لله، فقال علي: لا حكم إلا لله، فقال له حرقوص: تب من خطيئتك.... " انتهى.
وأبو مخنف هذا ساقط الرواية لا يعتد به.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" لوط بن يحيى، أبو مخنف، أخباري تالف، لا يوثق به.
تركه أبو حاتم وغيره.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال ابن معين: ليس بثقة.
وقال - مرة: ليس بشيء.
وقال ابن عدي: شيعي محترق، صاحب أخبارهم " انتهى من "ميزان الاعتدال" (3/419).
فالخلاصة:
أن قضية حرقوص بن زهير هذا لا تصلح مستندا لمن يزعم بأن من المنافقين من قاد الفتوح، ولا لمن يزعم بأن من الخوارج من كان صحابيا، لأن كل ذلك لم يثبت منه شيء.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
حرقوص بن زهير السعدي؛ هل كان خارجيا ، أم منافقا؟ |