عنوان الفتوى : التردد في نية الفطر وأثره على الصوم
أنا في أحد أيام رمضان ألا وهو اليوم السادس عشر (اليوم 16) يوم الجمعة قطعت لساني بقصدير دون أن أعلم، وبعدما انتهيت من السحور وجدت دمًا على لساني، وظننته سيزول بعد لحظات، وظلّ ينزف بشكل كبير، وكان موعد أذان الفجر قد اقترب، وأنا موسوس، فخفت أن يزيدني الدم وسوسة، فبحثت في الإنترنت عن كيفية إيقاف دم اللسان، والكل كان يكتب مواضيع ترعب الواحد، فمنهم من يقول: عملية خياطة، فخفت جدًّا، وبعدها بقليل أحسست بدوار، وخفت أن أكون نزفت دمًا كثيرًا، مع أن الدم النازل لا شيء، ولكن ذلك فعل الوسوسة، وابن آدم أيضًا ضعيف، وأتت عليّ لحظات أحسست أني سوف أسقط من الدوار، ولكني أمسكت نفسي، وفكرت بالإفطار، وقلت: ربما لو أكلت عسلًا، أو شربت ماء لا أعوض الدم، فهل هذه نية جازمة للإفطار؟ خصوصًا أني كنت تحت وطأة الوسوسة، والمرض، وخفت أن لا يتوقف الدم، فذهبت لأمي، وأتت بزعتر، ووضعته على مكان الدم، ووضعت عليه قطنة، فهنا بدأت تتحسن حالتي، ومع الخوف كان يغلبني البلغم، واللعاب كل مرة، فأبتلعه، ولا أعلم هل ابتلعت دمًا، أو زعترًا معه، ولكن كنت أستطيع أن أخرج القطن، وأتفل ما بالداخل، ولكن أمي ستعلم أني موسوس، وأنا لا أريد ذلك، وأيضًا ربما لن تسمح لي أن أنزع القطنة، فظللت أبلع ما بي، ولكن كنت أحاول بلع ما بآخر حلقي، ولا أبلع الزعتر، والدم، وفعلًا لم أحس بزعتر، أو دم، ولا أتذكر إذا أحسست أم لا، فالخوف يفوق ذلك، وما هي إلا لحظات حتى وقف الدم، وذهبت ولم أتمضمض، وبقي بفمي زعتر؛ لأني لو تمضمضت لانفك الجرح، وعاود النزيف، وقالت لي أمي: اتفل ما بك كله، وتفلت فعلًا، وقبل أن أنام تفلت مرة أخرى، ولم أجد إلا حبيبات زعتر، ووجدت القليل من الدم، ولست متأكدًا من وجود الدم، ربما لون لعابي تغير مع الزعتر، وتفلت حتى أحسست أنه لا يوجد بفمي شيء، وآخر تفلة وجدت حبيبتين، أو أكثر من الزعتر، ثم نمت، وما إن أردت النوم إلا وأحسست بشيء بداخلي عالق، وعلمت أنه الزعتر، ولكن عرفت أنه وسواس؛ لأنه لو لم يكن وسواسًا فسوف أحس به، ولن أستطيع التنفس، أو الكلام، أو سوف أفعل شيئًا لا إراديًّا لأذهبه، فاستعذت من الشيطان، ودعوت ربي أن يذهب عني الوساوس، ونمت، ويوم قمت لم أجد ذلك الإحساس، فعلمت أنه وسواس، وتوضأت، وتمضمضت، فهل صيامي صحيح أم لا؟ أولًا لأني نويت الفطر، ولكن كنت تحت وطأة المرض، والخوف، والوسواس، وكنت مترددًا، ولا أتذكر إذا كنت مترددًا أم لا! فالوسواس يقول لي: لم تكن مترددًا، لكنك تقول ذلك لكي يرخصوا لك، ولا أعلم ماذا أفعل. وأيضًا لأني ابتلعت ريقي، ولم أجد طعم دم، أو زعتر، ولا أستطيع الجزم أني ابتلعتهما، فهل صومي صحيح أم لا؟ وأيضًا لأني أحسست بزعتر ناشب في داخلي، وأظنه وسواسًا؛ لأني عندما قمت وجدته ذهب، ولم يكتمني، أو يمنعني عن الكلام، أو أي شيء، فهل صيامي صحيح أم عليّ قضاء؟ وأيضًا من شدة الخوف نسيت الوسواس، فلا أتذكر إن كنت ابتلعت ريقي الخارج من الفم على ظاهر الشفتين، مع أني أستبعد ذلك؛ لأني كنت أبتلع من آخر حلقي حتى لا ينزل شيء، فهل صيامي صحيح؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتفكيرك في الإفطار إن كان قبل طلوع الفجر فلا أثر له.
وأما إن كان بعد طلوع الفجر، فهو من باب التردد في النية، وهل تقطع الصوم؟ فيها قولان في مذهب أحمد:
أصحهما: عدم القطع؛ قال الحمد في شرح الزاد: فإن تردد في القطع فما الحكم؟ قولان في مذهب أحمد؛ أرجحهما: أنه لا ينقطع صومه، بل يكون في حكم الصائمين لا المفطرين؛ لأن هذا التردد لم يؤثر في نيته الأصلية، فهو ما زال ناويًا الصوم، أم لا يقطعه فلم تتأثر نيته بذلك. ويصح أن يستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم). انتهى.
بل من أهل العلم من لا يرى قطع الصوم بنية الفطر أصلًا؛ قال ابن قدامة في المغني: مسألة: قال: (ومن نوى الإفطار فقد أفطر) هذا الظاهر من المذهب. وهو قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، إلا أن أصحاب الرأي قالوا: إن عاد فنوى قبل أن ينتصف النهار أجزأه؛ بناء على أصلهم أن الصوم يجزئ بنية من النهار.
وحكي عن ابن حامد أن الصوم لا يفسد بذلك؛ لأنها عبادة يلزم المضي في فاسدها، فلم تفسد بنية الخروج منها، كالحج ... انتهى.
وما دمت موسوسًا فللموسوس أن يأخذ بأخف الأقوال حتى يعافيه الله تعالى، كما بيّنّا في الفتوى رقم: 181305.
وحيث إنك لا تجزم أنك ابتلعت شيئًا من الزعتر، وإنما الذي تجزم به هو بلع شيء من الريق المعتاد؛ فالقاعدة أن اليقين لا يزول بالشك، فصومك صحيح -إن شاء الله-، ولا تلتفت إلى الوساوس.
وحتى لو وجدت طعم شيء من ذلك في حلقك، فلا تفطر بذلك؛ كما بيّنّا في الفتوى رقم: 164965.
ونسأل الله أن يعافيك من الوسوسة، وننصحك بملازمة الدعاء، والتضرع، وأن تلهى عن هذه الوساوس، ونوصيك بمراجعة طبيب نفسي ثقة.
ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات من موقعنا، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 51601، 147101، وتوابعها.
والله أعلم.