عنوان الفتوى : حكم من ترك بعض الصلوات قبل موته بسبب المَسِّ
توفيت أمي قبل أيام بسبب ألم في الصدر والمعدة، وكان لديها انتفاخ بالبطن، وضيق بالتنفس، وعرق بالوجه، أتاها المرض فجأة، وزاد عليها جدًّا إلى أن توفيت بنفس اليوم -رحمها الله-. هي جاهلة لم تتعلم، ولم تدرس أمور الدين جميعها، ولكنها كانت تؤمن بالله وبرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكانت تحب تشغيل القرآن كثيرًا لعدم إمكانها قراءة القرآن -فهي أمية-، وكانت تملك قلبًا طيبًا ورحيمًا على الجميع، وتسامح كل من أخطأ بحقها، ودائمًا تدعو الله، وكانت نعم الزوجة لأبي، ونعم الأم لنا، حتى عند مرضها تلتجئ إلى الله، وتصلي، وتتصدق كثيرًا على المساكين، فهي سيرتها حسنة، وعند وفاتها شهد لها الناس بالخير، وطيبة القلب، وكانت جدًّا صابرة، وتحملت الكثير من الأمراض والظلم في حياتها, ولكن آخر سنة لها نعتقد أنه فيها مسّ؛ لأنها أحيانا تتعب علينا، وترى أشياء مخيفة، وعندما نقرأ عليها كانت تريدنا أن نسكت، وهذا السبب نعتقد بالفترة الأخيرة صعّب عليها الصلاة، وصارت قليلة الصلاة، حتى أحيانًا كانت تخاف من تشغيل القرآن -رغم ذلك كانت تقاوم أحيانًا وتصلي، ولكن ليس دائمًا، وتشغل القرآن والرقية الشرعية-. أريد أن أعرف حكم قلة صلاتها بالفترة الأخيرة وتقصيرها بالصلاة. مع العلم بأني حلمت بها مرتين وهي تقول: إني حية لم أمت. وفي الرؤية الثانية كانت تلبس لباسًا جميلًا ومتزينة. نعلم أن الصلاة هي عمود الدين، لكن ما الحكم على أمي بهذه الحالة -جزاكم الله خيرًا-؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله الرحمة لأمكم، وأن يحسن عزاءكم فيها، وأن يتقبلها في الشهداء؛ فقد ورد في حديث الصحيحين: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.
والمبطون كما قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم هو: صاحب داء البطن -وهو الإسهال-. قال القاضي: وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي تشتكي بطنه، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا. انتهى.
وقال الشيخ/ العثيمين -رحمه الله-: والمبطون هو الذي أصيب بداء البطن؛ بمعنى أنه يكون فيه إسهال، أو وجع في بطنه، ومنه ما يسمى بالزائدة إذا انفجرت، وما أشبه ذلك، فكل أدواء البطن التي تكون سببًا للموت فإنها داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: المبطون. لا سيما التي يكون الموت فيها محققًا عاجلًا. انتهى.
وأما عن موضوع الصلاة: فإن الصلاة لا يحل التفريط فيها ما دام الشخص في حال وعيه، فيجب على المريض أن يصلي بحسب حاله؛ إن استطاع القيام صلى قائمًا، وإن عجز صلى قاعدًا، فإن لم يستطع القعود صلى على جنبه، والأيمن أفضل من الأيسر إن استطاع، فإن لم يستطع الصلاة على جنبه صلى مستلقيًا.
وأما من غُلب على تركها بسبب المسّ: فلا مؤاخذة عليه؛ فقد قال الإمام النووي في المجموع: وأما من زال عقله بجنون أو أغماء أو مرض فلا (أي: فلا تجب عليه الصلاة)، لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة" فنص على المجنون، وقِسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح، وإذا أفاق فلا قضاء عليه بلا خلاف، سواءٌ قل زمن الجنون والإغماء أو كثر.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة في جواب لسائل يقول:
توفي والدي منذ أيام بعد صراع طويل مع المرض الشديد، وكان -رحمه الله- محافظًا على الصلاة طوال حياته، إلا آخر شهر من عمره وهو في فراش الموت، كان لا يستطيع القيام ولا الجلوس ولا التحرك من مكانه ...
فأجابوا:
الواجب على المريض أن يصلي على حسب حاله؛ قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، فإن لم يستطع فمستلقيًا، ويومئ بالركوع والسجود، كما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما-. وما ذكرت من أن والدك ترك الصلاة بسبب المرض ومات على هذه الحال، فليس عليكم شيء نحوه، ولعله يعذر بالجهل. اهـ.
وعلى أية حال؛ فليس من شك في أن ما ذكرته عنها من الإيمان بالله وبرسوله، وحب تشغيل القرآن، وما ذكرته عنها من طيب القلب والرحمة بالجميع، ومسامحة كل من أخطأ في حقها، واللجوء إلى الله بالدعاء، والصدقة على المساكين، وما ذكرته من شهادة الناس لها بالخير والطيب والصبر... كلها أمور حسنة يرجى لصاحبتها الفوز والنجاة يوم القيامة. ولكن لا يمكن الجزم بمصيرها، وينبغي رجاء الخير لها من الله تعالى، وننصحكم بالدعاء لها، والترحم عليها، والاستغفار لها، والتصدق عنها بما تيسر لكم؛ فإن ذلك من أعظم البر بها، ونرجو أن ينفعها الله به.
والله أعلم.