عنوان الفتوى : هل الإسلام يدعو إلى الكراهية؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

عندي عدة أسئلة : أولاً : لماذا يكره هذا الموقع النصرانية؟ ثانياً : أليست الغطرسة خطيئة ، كذلك الكبر؟ ثالثاً : هل للبشر الحق في أن يقولوا من يكرهه الله أو من يذهب إلى الجحيم؟ رابعاً : هل يمكن أن يذهب المسلمون إلى الجحيم؟ خامساً : يقول النصارى أن دينهم صحيح ، كما يفعل المسلمون واليهود والهندوس وما إلى ذلك ، ماذا عن هذا؟ سادساً : إذا كان الإسلام دين الحب ، فلماذا تبشرون بالكراهية؟

مدة قراءة الإجابة : 21 دقائق

الحمد لله.

أولا:

بداية، نشكرك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يرشدنا وإياك إلى الحق ويثبتنا عليه.

ثم نقول في الجواب عما ذكرت:

إن الكراهية؛ تطلق ويراد بها معنيان:

المعنى الأول: عدم الحب، من غير ظلم ولا اعتداء.

فالكراهية، أو عدم الحب – ما دام لم يترتب عليها ظلم لأحد ، ولا عدوان على أحد ، ولا بغي على أحد - ليس جريمة، ولا خلقا سيئا؛ فكل العقلاء متفقون على أنه لا يحق لأي شخص أن يلزم غيره بحبه؛ لكن له الحق الكامل في أن يطالب غيره بكف ظلمه وعدوانه.

وهذه الشعور بالكراهية الدينية – في الله ، ولأجل الله - ، والبراءة ممن كفر بالله ، وعاداه :  ليست غاية في نفسها؛ وإنما شرع ذلك ، لما فيه من المصلحة العظيمة؛ فهو يحقق الإيمان ويكمّله، ويظهر هذا من وجهين:

الوجه الأول: أن في عدم حب من يعارض الحق، دليلا على استقامة التفكير، وعلى صحة الاعتقاد وعدم النفاق؛ لأن المتقرر عند العقلاء أن الشخص لا يمكن أن يحب شيئا ما حبّا صادقا، وفي الوقت ذاته يحب نقيضه، فإن أحب نقيضه؛ فسبب هذا هو عدم الصدق في حب ذلك الشيء، فالنصراني الذي يحب ويحترم مريم عليها السلام، احتراما صادقا، لا يمكن في الطبع البشري والفطرة السليمة: أن يحب من يتهم مريم عليها السلام بالفاحشة؛ ولا يحب من أراد قتل المسيح عيسى عليه السلام.

فكذلك من صِدْق إيمان المسلم، وكماله وعدم نقصانه، وهو يقرأ قول الله تعالى:   قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ  الصمد /1 - 4  : ألّا يجتمع مع هذا الإيمان حبّ من يكذّب هذا النص القرآني، ويزعم أن لله ولدا، أو شريكا في الخلق أو العبادة.

والمسلم الذي يصْدُق في حبه لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ حديث:   لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ  رواه البخاري (15) ومسلم (44).

لا يصح ولا يعقل أن يحب في ذات الوقت ، من يكذِّب محمدا صلى الله عليه وسلم ، وينسب إليه الكذب وغيره من التهم الشنيعة، وهكذا سائر شرائع الإسلام.

الوجه الثاني: أن من طبع الإنسان ، إذا أحب شخصا : أن يتجاوز عن أخطائه ولا يستعظمها ، بل يبحث لها عن مسوغ، وربما مع الوقت يشاركه فيها؛ فلذا نُهِي المسلم عن حب أهل الكفر؛ حتى ينجو من ضلالهم، ويتركز في قلبه تعظيم أوامر الله ونواهيه، فيحفظ الحق في نفسه؛ وينصح الناس به.

ومما يظهر كمال الإسلام في تشريعه لعدم حب المخالفين للحق؛ أنه حث مع عدم الحب هذا بالرحمة.

قال الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ  الأنبياء /107 .

قال المفسر ابن كثير رحمه الله تعالى:

" يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها، خسر في الدنيا والآخرة...

وقال مسلم في صحيحه ... عن أبي هريرة قال: ( قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: إني لم أُبعث لعانا، وإنما بُعثت رحمة ). " انتهى. "تفسير ابن كثير" (5 / 385).

هذه الرحمة التي تدفع المسلم إلى بذل جهده في الرأفة بالناس ولو كانوا غير مسلمين.

كما قال الله تعالى واصفا المؤمنين:  إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا   الإنسان/5 – 9 .

وحين نزلت هذه الآية كان أسرى المسلمين من الكفار فقط، ورغم ذلك مدح الله المسلمين الذين يطعمون هؤلاء الأسرى ، وجعل هذا الإطعام من الحسنات التي تدخل الجنة.

ومن هذه الرأفة حب الهداية لهم.

عن سَهْل ابْن سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   فَوَاللهِ! لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ  رواه البخاري (3009) ومسلم (2406).

وينظر ما سبق في موقعنا حول ذلك ، في جواب السؤال رقم (128862) وأيضا: رقم (219514)


وأما المعنى الثاني للكراهية: وهو البغض الذي يدعو إلى الاعتداء والظلم: ديننا أعظم الدين كله براءة منه ، ونهيا عنه ، وتحذيرا من الوقوع في شيء منه .

قال الله تعالى:   ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ   النحل (125 - 126).

وقال الله تعالى:  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  النحل/90 .

وقال الله تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  المائدة/8 .

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي:

" وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه؛ بأن يطيع الله فيه.

وفي الحديث: ( أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ).

وهذا دليل واضح على كمال دين الإسلام، وحسن ما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، مبين أنه دين سماوي لا شك فيه " انتهى، من "أضواء البيان" (2 / 8 – 9).

وقال الله تعالى:   لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  الممتحنة/8 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" الْعَدْلُ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ ، عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ .

وَالظُّلْمُ لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْهُ بِحَالِ . حَتَّى إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْ يَعْدِلُوا عَلَى الْكُفَّارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) . وَالْمُؤْمِنُونَ كَانُوا يُعَادُونَ الْكَفَّارَ بِأَمْرِ اللَّهِ ، فَقَالَ تَعَالَى [مُبَيِّنًا] : لَا يَحْمِلُكُمْ بُغْضُكُمْ لِلْكُفَّارِ ، عَلَى أَنْ لَا تَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ ؛ بَلْ اعْدِلُوا عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى." انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/339) .

وهذا الأصل العظيم : هو الذي قررناه في موقعنا ، بحمد الله ، وسبيلنا الذي ندعو إليه قائم على قاعدة عظيمة؛ وهي العدل والإحسان.

فينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (209220) ورقم (52901) ، ورقم (105906) أيضا .

ثانيا:

الكِبر، لا شك أنه خلق سيئ، وصاحبه متوعد بالخسران والعذاب.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ .

قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟

قَالَ:  إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ   رواه مسلم (91).

فالحديث يوضّح أن الكِبر هو أن يعطي الشخص لنفسه قيمة يترفع بها عن الحق ، وينقص بها من قدر غيره ، ظلما وعدوانا.

فالمتكبر حقيقة هو المعاند للحق والرافض له.

كما قال الله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ  الأعراف/146.

وأما الشخص الصريح الذي يقول للحق حقا وللباطل باطلا؛ فهذا ليس بمتكبر؛ بل هو الصادق الذي يقوم بواجب الشهادة بالحق؛ والله تعالى يقول:  وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ  البقرة/283 .

وليس من التواضع أن يكتم المسلم الحق ، ولا ينكر على الكفار كفرهم حتى يحبوه؛ فهذا التصرف فيه ضرر عليه وعليهم؛ فالضرر الذي سيقع على غير المسلمين أنهم لن يبصروا الحق ويبقى ملتبسا عليهم؛ والضرر على من يفعل هذا من المسلمين، أنه معرَّض لعذاب عظيم.

قال الله تعالى محذرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من مثل هذا التصرف:

 وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ، وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا   الإسراء /73 – 75 .

ثم  الحب الناتج عن السكوت عن الحق وعدم الإنكار على الباطل سينقلب يوم القيامة إلى عداوة.

قال الله تعالى:  الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ   الزخرف/67.

ثالثا:

لا يستطيع أي مسلم أن يحدّد بهواه من يدخل الجنة ومن يدخل النار؛ فهذا كله من اختصاص الله وحده؛ فمن اعتمد على هواه في أمور الشرع ، فقد ضل ضلالا كبيرا.

قال الله تعالى:   وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ   القصص /50 .

فالمسلم مأمور في جميع أموره أن يتقيد بما جاء به الوحي ولا يتجاوزه.

قال الله تعالى:  وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  الحشر/7 .

وتمييز أصحاب الجنة من أصحاب النار ، قد أخبر الوحي أن هذا من اختصاص الله وحده.

قال الله تعالى:  أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ   المائدة /40 .

والله أخبرنا بصفات أهل الجنة وصفات أهل النار، وفصّل ذلك في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، حيث بيّن فيها المحرمات المتوعد عليها بالعذاب، والحسنات التي وعد الله أصحابها بالثواب والجنة.

كمثل قوله تعالى:   إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ   الأعراف /40 - 41 .

وكقوله تعالى:  وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ، وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ، وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ، أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا  الفرقان/68 - 75.

فالمسلم إذا رأى شخصا ملتزما بصفات أهل الجنة من الإيمان والعمل الصالح ، رجا أن يكون من أهلها، وإذا رأى إنسانا يلابس الكفر والمعاصي خاف عليه من النار؛ لكن من غير جزم؛ لأنه لا يعلم ما يختم به الشخص حياته.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ:  ... فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ! إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا   رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).

كما أن حقيقة ما في القلوب لا يعلمها إلا الله تعالى؛ فقد يتظاهر الشخص بالإسلام وهو يبطن الكفر.

راجعي للأهمية جواب السؤال رقم (731).

رابعاً:

المسلم الصادق في إيمانه موعود بالجنة؛ كما مضى ذكر بعض الآيات الدالة على هذا؛ لكنه إذا عمل شيئا من المحرمات، غير الكفر ومات صادقا في إسلامه؛ ترجى له الجنة ويخاف عليه النار؛ فإن عصاة المسلمين فيهم من يدخل النار زمنا، حتى يطهّر من ذنوبه ثم يدخل الجنة؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا الطيبون الطاهرون.

فبعض عصاة المسلمين سيعذبون في النار؛ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:   أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْه ِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ   رواه مسلم (2581).

وبعد أن يعذبوا فيها زمنا ويطهّروا من ذنوبهم، يخرجون منها، ويدخلون الجنة، كما دلّ على هذا الوحي، ومن ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدْ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، أَوِ الْحَيَا، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً   رواه البخاري (6560) ومسلم (184).

خامساً :

أخبرنا الله تعالى أن دينه واحد؛ وهو الإسلام لا غير.

قال الله تعالى:  إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ   آل عمران/19 .

وقال الله تعالى:   وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا   المائدة /3.

ولن يقبل الله دينا غيره.

قال الله تعالى:   وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ  آل عمران /85 .

فمن خالف واتبع دينا غير الإسلام وقال ديني أفضل من الإسلام، فالله تعالى قد أعطاه حرية اختيار الطريق في هذه الدنيا.

قال الله تعالى:   لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  البقرة /256 .

لكنه سيقف بين يدي الله تعالى يوم الحساب وعليه أن يُعِدّ لذلك اليوم حجته وجوابه.

قال الله تعالى:   وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا   الكهف /29 .

فذلك اليوم لا ينفع فيه إلا الصدق.

قال الله تعالى:   وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ   المائدة /116 - 119 .

ففي ذلك اليوم لا يستطيع أحد أن يخفي كذبه وعدم إخلاصه في البحث عن الحق.

قال الله تعالى:  وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ، حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ   فصلت/19 - 24 .

فالنصيحة لأنفسنا ولك؛ أن نتنبه إلى أن الحق لا يوصل إليه بكثرة الجدال والكلام ، وإنما بالصدق في البحث عنه، فعلينا أن نصدق ونخلص في البحث عن الحق؛ ففرصة الاختبار لدخول الجنة واحدة وهي هذه الدنيا ولن تتكرر، فلا يضيع الإنسان فرصة النجاة بالتعصب والعناد.

قال الله تعالى:  وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ   فاطر/36 - 37 .

وقال الله تعالى:  حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  المؤمنون (/99 - 100 .

والإسلام وهو ينادي إلى أنه هو الحق ، حمل معه دليل صدقه وهو القرآن الكريم، فعلى الواحد منا أن يخلو بنفسه ويتدبر هذا الكتاب بإخلاص وإنصاف، وليكثر من دعاء الله تعالى بأن يريه الحق حقا ويرزقه اتباعه ويريه الباطل باطلا ويرزقه اجتنابه.

نسأل الله الكريم أن يهدينا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه وهو راض عنا.

والله أعلم.