عنوان الفتوى : التوفيق بين حديث "يجمع أحدكم" وحديث "فيما يبدو للناس"

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مـضغـة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويـؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد؛ فوالله الـذي لا إلــه غـيره إن أحــدكم ليعـمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعـمل بعـمل أهــل النار فـيـدخـلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فــيسـبـق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) رواه البخاري [ رقم : 3208 ] ومسلم [ رقم : 2643 ]. هل هذا الحديث مطلق وقيد بالحديث ( يعمل بعمل أهل الجنة فيما أو بما يظهر للناس ... ..... الحديث)).. كيف نوفق بين الحديثين وهل استعمال هذه القاعدة صحيح هنا ؟؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما، وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم: .... وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة -فيما يبدو للناس- وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار -فيما يبدو للناس- وهو من أهل الجنة.
أن رجلاً من المسلمين أبلى بلاء حسنا وكان يضرب في المشركين فأثنى عليه الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو من أهل النار، فقال رجل: أنا أصاحبه فأتبعه، فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله وقص عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل....
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله قوله: فيما يبدو للناس فيه إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك.....
وبهذا يتبين أنه ليس بين الروايتين المذكورتين إطلاق وتقييد، بل هو بيان وتفسير لحقيقة العمل الظاهر ومخالفته لما في الباطن، حيث يبدو للرائي خلاف ما في باطن الفاعل، والله تعالى مطلع على الظواهر والسرائر، كما قال عز وجل: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].
والعبد مؤاخذ عند الله بما يعمل في الباطن والظاهر، ولا يؤاخذ عند العباد إلا بما اطلعوا عليه من الظاهر، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة الورادة في حديث سهل أن كونه من أهل الجنة أو من أهل النار معلوم عند الله في كل الأحوال، وإن كان عمله يختلف من حال لآخر، فيحكم عليه الناس بما يرون منه، لا على حقيقة الأمر كما هو الأمر في حكم الله عليه.
والله أعلم.