عنوان الفتوى : تكليم الله لنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج
وجدت إجابة في موقعكم حول أن الله تعالى كلم رسوله صلى الله عليه وسلم في المعراج ، لكن لم أجد في الأدلة التي طرحتموها ما يثبت هذا، فأحببت أن أطلب منكم ما يزيد من تأكيد هذه العقيدة من الحديث وقول السلف أو إجماع إن وجد بما يمكن أن يطمئن به القلب .
الحمد لله.
أولًا :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، - في حديث الإسراء والمعراج - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ "، قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، قَالَ: " فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً "، قَالَ: " فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ رواه مسلم (162).
فهذا الحديث : نص واضح على حصول الكلام بين النبي صلى الله عليه وسلم ، ورب العزة جل جلاله ، فقد رجع إلى ربه ، وقال له : يا رب ... ، ثم قال له رب العزة بعد ذلك : ( يا محمد ..) ، وهذا كله بيِّن واضح في حصول التكليم المباشر ليلة الإسراء والمعراج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فإن الله كلم موسى وأمره بلا واسطة ، وكذلك كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمره ليلة المعراج ، وكذلك كلم آدم وأمره بلا واسطة ، وهي أوامر دينية شرعية "، انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/ 320).
وقال ابن القيم رحمه الله: " كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء " ، انتهى من"زاد المعاد" (1/ 79).
قال " الحافظ ابن حجر" في "الفتح" (7/ 216): " هذا من أقوى ما استُدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلَّم نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بغير واسطة " .
وفي قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ) قال ابن كثير: " يَعْنِي: مُوسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ آدَمَ "، انتهى من "التفسير" (1/ 670).
وقد سبق في جواب السؤال رقم : (156077)، جملة من كلام العلماء، فانظره .
ثانيًا:
قال "الجديع" بعد إيراد الحديث الأول: " قلتُ: وهذا التكليمُ هو المرادُ بقوله تعالى: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم: 10].
وقَدْ ذَهبَ بعضُ أهل العلم إلى أنَّ هذا التكليمُ كانَ بواسطةِ جبريلَ، فقالوا: فأوحى إلى عبدِهِ بواسطةِ جبريلَ ما أوحى، أي: جبريلُ.
وهذا مَرْدودٌ، إذ الأصل عدَمُ الحَذْفِ في الكَلام، وظاهرُ الحديثِ أنَّ الخطابَ منَ الله تعالى لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- كانَ بغير واسطةٍ، ومِنْ قَرائِنِهِ مُراجعةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَبَّهُ، وكذا يؤكِّدُهُ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رُفِعَ إلى موضعٍ لَمْ يُرْفَع إليه موسى عليه السَّلامُ الَّذي فُضِّلَ بكَلام الله، ولا إبراهيمُ عليه السلام الَّذي فُضِّلَ بالخُلَّةِ، فذلكَ مُسْتَوْجبٌ أنْ يكونَ فَضْلُه أعظمَ من فَضْلِ مَنْ دونَه، فجَديرٌ به أنْ يَنالَ دَرَجاتِ الفَضْلِ التي حصَّلها مَنْ دونَهُ.
والَّذي ألْجَأ القائلينَ بهذا إلى هذهِ المَقالَةِ أنَّهم التَزموا أنَّه -صلى الله عليه وسلم- إنْ أثْبتَ له تكليمُ الله تعالى إيَّاه بغير واسطةٍ، فإنَّ ذلك يستوجبُ رُؤْيَتَه -صلى الله عليه وسلم- لِرَبِّه.
والتَّحقيقُ الَّذي عليه جُمهورُ أهْلِ السُّنَّةِ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَرَ ربَّه تعالى ليلةَ الإِسراءِ.
والصَّواب: أنَّ هذا الَّذي التزموه ليسَ بلازمٍ, لأنَّ التَّكليمَ غيرُ الرُّؤْيَةِ، وهو مُمْكِنُ الوقوع بخِلافِ الرُّؤْية، وذلك من وَراء حِجابٍ، كَما وقَعَ لمُوسى عليه السَّلام، فإنَّ موسى لمْ يَرَ ربَّه، معَ أنَّهُ كَلَّمَهُ وناداه.
وقد عَلِمْنا أنَّ هذه المرتبةَ من التَّكليمِ : أكْمَلُ المَراتبِ وأعلاها, فهي فضلٌ عظيمٌ، ودرَجةٌ رَفيعةٌ، فحَرِيُّ أن تكونَ لسيّدِ ولدِ آدمَ عليه الصلاة والسلام "، انتهى من "العقيدة السلفية في كلام رب البرية" (102).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
تكليم الله لنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج |