عنوان الفتوى : هل تصح قصة رؤيا مالك بن دينار التي كانت سببا في توبته ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما هي صحة قصة مالك بن دينار التي تتحدث عن رؤياه التي كانت سبباً في هدايته ؟ وهل نشر القصص التي لا نعلم صحتها من عدمها نأثم عليها ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله.

أولا:

مالك بن دينار ، أبو يحيى البصري ، الزاهد ، كان أبوه من سبي سجستان . وقيل : كان كابليا .

مولى امرأة من بني ناجية من بني سامة بن لؤي ، ويقال : مولى خلاس بن عمرو بن المنذر بن عصر بن أصبح بن عبد الله . 

 كان عالما زاهدًا كثير الورع ، قنوعًا لا يأكل إلا من كسبه ، وكان يكتب المصاحف بالأجرة . 

وروي عنه أنه قال : قرأت في التوراة : أن الذي يعمل بيده ؛ طوبى لمحياه، ومماته.

وكان يومًا في مجلس وقد قص فيه قاص ، فبكى القوم ، ثم ما كان بأوشك ما أن أتوا برؤوس، فجعلوا يأكلون منها ، فقيل لمالك : كل . فقال : إنما يأكل الرؤوس من بكى ، وأنا لم أبك ، فلم يأكل .

ويقال: إنه أقام أربعين سنة لا يأكل من رطب البصرة، ولا من تمرها، وإنه وقع حريق بالبصرة، فقال شباب الحي: بيت أبي يحيى مالك بن دينار ، فخرج من منزله متزرا ببارية وبيده مصحف وقال:  فاز- أو نجا -المُخِفُّون .

مات رحمه الله سنة سبع وعشرين ومئة .

وينظر ترجمته في: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (56/ 393) ، "وفيات الأعيان" (4/ 139)، "قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر" (2/ 92)، "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (27/ 137)، "سير أعلام النبلاء" (5/ 362) .

ثانيا:

القصة المشار إليها ذكرها ابن قدامة في "كتاب التوابين" (ص: 124) ، فقال :

وروي عن مالك بن دينار ، أنه سئل عن سبب توبته فقال : " كنت شرطيًا ، وكنت منهمكا على شرب الخمر ، ثم إنني اشتريت جارية نفيسة ، ووقعت مني أحسن موقع ، فولدت لي بنتا ، فشغفت بها ، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا ، وألفتني وألفتها .

قال : فكنت إذا وضعت المسكر بين يدي ، جاءت إلي وجاذبتني عليه ، وهرقته من ثوبي .

فلما تم لها سنتان ماتت ، فأكمدني حزنها .

فلما كانت ليلة النصف من شعبان ، وكانت ليلة الجمعة ، بت ثملا من الخمر ، ولم أُصلّ فيها عشاء الآخرة ، فرأيت فيما يرى النائم : كأنَّ القيامة قد قامت ، ونفخ في الصور ، وبعثرت القبور ، وحشر الخلائق وأنا معهم ، فسمعت حسَّا من ورائي ، فالتفت ، فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون ، أسود أزرق ، قد فتح فاه مسرعا نحوي .

فمررت بين يديه هاربا فزعًا مرعوبًا ، فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، فقلت: أيها الشيخ ! أجرني من هذا التنين أجارك الله .

فبكى الشيخ ، وقال لي : أنا ضعيف ، وهذا أقوى مني ، وما أقدر عليه ، ولكن مرّ وأسرع ، فلعل الله أن يتيح لك ما ينجيك منه .

فوليت هاربا على وجهي ، فصعدت على شرف من شرف القيامة ، فأشرفت على طبقات النيران، فنظرت إلى هولها ، وكدت أهوي فيها من فزع التنين ، فصاح بي صائح : ارجع ، فلست من أهلها! فاطمأننت إلى قوله ، ورجعت .

ورجع التنين في طلبي ، فأتيت الشيخ فقلت : يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين، فلم تفعل، فبكى الشيخ ، وقال : أنا ضعيف ، ولكن سر إلى هذا الجبل ، فإن فيه ودائع المسلمين ، فإن كان لك فيه وديعة ، فستنصرك .

قال : فنظرت إلى جبل مستدير من فضة ، وفيه كُوى مخرمة ، وستور معلقة ، على كل خوخة وكوة مصراعان من الذهب الأحمر ، مفصلة باليواقيت ـ مكوكبة بالدر ، على كل مصراع ستر من الحرير ، فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربًا والتنين من ورائي ، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة : ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا ! فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه ، فإذا الستور قد رفعت ، والمصاريع قد فتحت ، فأشرف علي من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار ، وقرب التنين مني ، فتحيرت في أمري .

فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه عدوه .

فأشرفوا فوجا بعد فوج ، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت علي معهم ، فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله ، ثم وثبت في كفة من نور ، كرمية السهم ، حتى مثلت بين يدي ، فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ، ومدت يدها اليمنى إلى التنين ، فولى هاربا.

ثم أجلستني وقعدت في حجري ، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي ، وقالت : يا أبت ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) [الحديد: 16] .

فبكيت وقلت : يا بنية ! وأنتم تعرفون القرآن ؟ فقالت : يا أبت ! نحن أعرف به منكم .

قلت:  فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني ؟

قالت : ذلك عملك السوء ، قويته ، فأراد أن يغرقك في نار جهنم.

قلت : فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي ؟

قالت : يا أبت ! ذلك عملك الصالح ، أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء .

قلت: يا بنية ! وما تصنعون في هذا الجبل ؟

قالت : نحن أطفال المسلمين ، قد أسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ، ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم .

قال مالك : فانتبهت فزعا ، وأصبحت ، فأرقت المسكر ، وكسرت الآنية وتبت إلى الله - عز وجل - وهذا كان سبب توبتي " انتهى.

وقد ذكر القصة أيضًا : ابن الجزري في "الزهر الفائح" (ص45).

وهذه القصة مذكورة بلا إسناد ، وفيها بعض ما ينكر ، ومن ذلك :

1- أنه كان سكيرًا ، يشرب الخمر ، ولم يذكر هذا من ترجم له من الأئمة المحققين كابن عساكر والمزي والذهبي وغيرهم !

2- أنه تزوج جارية ، وأنجب منها بنتا ، وهذا أيضا لم يذكر في ترجمته !

ولو كانت هذه القصة صحيحة ؛ لذكرها من ترجم له من أهل التراجم والتاريخ ، وهم أئمة علماء محققون ، كابن عساكر وابن خلكان والذهبي والمزي وغيرهم !

ولكن من عادة أهل العلم أنهم لا يدققون في مثل هذه القصص الواردة عن التابعين فمن بعدهم من السلف الصالحين ، والتي يراد منها الترغيب في التوبة والطاعة ، وأخذ العظة والعبرة .

بخلاف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيجب التثبت منه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ؛ من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .  رواه البخاري (1229) ، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (3) دون قوله : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد " .

وكذلك الأخبار الواردة عن الصحابة ؛ لا بد من التثبت منها ، لأنه يعتمد عليها ؛ خاصة الواردة في العقائد والأحكام ، أما الواردة في الزهد والرقائق ، فإن من العلماء من يتسامح فيها بشروط ، سبق بيانها في جواب السؤال رقم : (282886).

والحاصل : أن هذه القصة غير ثابتة فيما يبدو ، ولا نعلم لها إسنادا يعتمد عليه .

لكن من ذكرها للعبرة : فلا إثم عليه ؛ وينبغي أن يذكرها بصيغة التمريض ، فيقول : روي عن مالك بن دينار ، أو حكي ، أو ذُكر ، أو ينسبها لمن ذكرها كابن قدامة في كتاب التوابين أو نحو ذلك . 

والله أعلم.