عنوان الفتوى : تتهمه بالبخل ويتهمها بالإسراف
بيني وبين زوجتي خلافات شديدة على الأموال وهي تطلب مني باستمرار طلبات كثيرة ومكلفة وحالتي المادية لا تسمح بذلك لانخفاض مستوى الأجور وقد أخبرتها وأهلها بوضعي المالي قبل الزواج وأنا وإياها في شجار دائم هي تتهمني بالبخل وأنا أتهمها بالإسراف وتحميلي ما لا أحتمل فماذا أفعل في هذه المشكلة التي تكاد تبلغ حدّ الإنفصال .
الحمد لله
من أعظم حقوق الزوجة على زوجها أن ينفق عليها ، ونفقته عليها من أعظم القرب والطاعات التي يعملها العبد ، والنفقة تشمل : الطعام والشراب والملبس والمسكن ، وسائر ما تحتاج إليه الزوجة لإقامة مهجتها ، وقوام بدنها .
وبالنسبة لما ذكرت من أن زوجتك تشكو من تقصيرك في نفقتها ، فقد أخبر الله عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء ، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة ، فقال تبارك وتعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) ، وقد دل على وجوب هذه النفقة : الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع أهل العلم .
أما أدلة الكتاب : فمنها قوله تعالى : ومنها قوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ) ، ومنها قوله تعالى : ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) .
وأما أدلة السنة ، فقد وردت أحاديث كثيرة تفيد وجوب نفقة الزوج على أهله وعياله ، ومن تحت ولايته ، كما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 8/183 .
وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع : " أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ . " وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ يَعْنِي أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ . رواه الترمذي 1163 وابن ماجة 1851 وقال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا علينا ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تقبح الوجه ، ولا تضرب " رواه أبو داود 2/244 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/446 .
قال الإمام البغوي : قال الخطابي : في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها ، وهو على قدر وسع الزوج ، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم حضر أو غاب ، فإن لم يجد في وقته كان دينا عليه كسائر الحقوق الواجبة ، سواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته ، أو لم يفرض . أ.هـ
وعن وهب قال : إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له : إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس ، فقال له : تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر ؟ قال : لا ، قال : فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " رواه أحمد 2/160 وأبو داود 1692 .
وأصله في مسلم 245 بلفظ : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته " .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيّع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان وحسنه في صحيح الجامع 1774 .
وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره ، فيبيعه ويستغني به ، ويتصدق منه خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله ، يؤتيه أو يمنعه ، وذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " رواه مسلم 3/96 . وفي رواية عند أحمد 2/524 : فقيل : من أعول يا رسول الله ؟ قال : امرأتك ممن تعول " .
وأما إجماع أهل العلم :
فقال الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني 7/564 : اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره .
وما سبق من النصوص الشرعية يدل على وجوب نفقة الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم ورعايتهم ، وقد ثبتت أحاديث متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد فضل هذا وأنه من الأعمال الصالحة عند الله تعالى ، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله ، وهو يحتسبها ، كانت صدقة له " رواه البخاري 1/136 ،
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/498 : النفقة على الأهل واجبة بالإجماع ، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه ، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر ، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ، ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع أ.هـ
وفي حديث سعد بن مالك رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر ، حتى اللقمة تضعها ترفعها إلى في امرأتك " رواه البخاري 3/164 ومسلم 1628 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دينار تنفقه في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ـ أي في عتقها ـ ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك " رواه مسلم 2/692 .
وجاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كان خرج يسعى على أولاده صغاراً فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " رواه الطبراني ، صحيح الجامع 2/8 .
وقد فقه السلف رحمه الله تعالى هذا الواجب حق الفهم ، وظهر في عباراتهم ، وما أعظم ما قال الإمام الرباني عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال : لا يقع موقع الكسب على شيء ، ولا الجهاد في سبيل الله . السير : 8/399 .
ومن جهة أخرى فعلى زوجتك أن تعلم أن إنفاق الزوج إنما هو بحسب إمكانياته ووضعه المادي ، كما قال تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً ) فلا يحق لها أن تتعنت في معاملة زوجها بكثرة طلباتها وإرهاقه في النفقة عليها ، فإن ذلك من سوء العشرة . ولعلك إذا استجبت لها في طلباتها المعقولة وذكّرتها دون منّة ولا إيذاء بما وفّيت لها من الطلبات تتمكّن من امتصاص بعض فورتها وإقناعها بالكفّ عن المزيد من المطالبات ، وكذلك المناقشة الهادئة - دون مراء - في درجة أهمية بعض ما تطلبه وأن توفير هذا المبلغ لأمر أهم كدفع إيجار البيت ونحو ذلك يُمكن أن يُؤدي إلى اقتناعها بالتنازل عن طلبها .
واعلم بأن كثيرا من النّقص المادي يُعوّض بالكلام الطيّب والوعد الحسنُ ولمّا ذكر الله تعالى في كتابه إيتاء ذوي القربى وصلتهم بالمال ذكر عزّ وجلّ تصرّف الإنسان الذي لا يجد ما يصل به أقاربه فقال سبحانه : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا (28) الإسراء ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية : وقوله: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك" الآية : " أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة "فقل لهم قولا ميسورا" أي عدهم وعدا بسهولة ولين إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله ." واعلم بأن حسن الخُلق يُنسيها ما أنت فيه من الضائقة فعليك بالصبر والمعاملة الحسنة مع تكرار نصحها ودعوتها ، فإن عسرت المعيشة وازداد الوضع سوءاً بينكما حتى وصل إلى طريق مسدود ولم تُفلح جهودك في درء الشرّ وصارت الحياة لا تُطاق فإن الله تعالى قد شرع الطلاق في مثل هذه الحال وقد يكون فيه خير للطرفين كما قال تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته ، وكان الله واسعاً عليماً ).
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |