عنوان الفتوى : هل يستدل بالهجرة إلى الحبشة على جواز الإقامة ببلاد الكفار ؟
ما هو سبب أمر النبي عليه الصلاة والسلام الصحابة بالهجرة إلى الحبشة ، مع العلم أنها بلد كفار ، والنبي نهى عن البقاء في بلاد الكفار ؟ وهل يستدل بهذه القصة على جواز البقاء في بلاد الكفار ؟
الحمد لله
أولا:
لما اشتد أذى المشركين على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أرشدهم إلى الهجرة إلى الحبشة، وبين أن فيها ملكا لا يُظلم عنده أحد.
قال ابن إسحاق في "السيرة"، ص174: " ومنع الله بأبي طالب ، رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وما يصيبهم من البلاء والشدة، وأن الله تعالى قد أعفاه من ذلك، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم من قومهم، وأنه ليس في قومهم من يمنعهم ، كما منعه عمه أبو طالب، أمرهم بالهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم: إن بها ملكاً لا يظلم الناس ببلاده ، في أرض صدق ؛ فتحرزوا عنده ، يأتيكم الله عز وجل بفرج منه، ويجعل لي ولكم مخرجاً، فهاجر رجال من أصحابه إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفروا إلى الله عز وجل بدينهم، واستخفى آخرون بإسلامهم" انتهى.
وأخرج ابن سعد في "الطبقات" (1/ 159) عن الزهري قال: " لما كثر المسلمون ، وظهر الإيمان، وتحدث به ، ثار ناس كثير من المشركين من كفار قريش ، بمن آمن من قبائلهم، فعذبوهم وسجنوهم ، وأرادوا فتنتهم عن دينهم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفرقوا في الأرض. فقالوا: أين نذهب يا رسول الله؟ قال: ههنا. وأشار إلى الحبشة. وكانت أحب الأرض إليه أن يهاجر قبلها. فهاجر ناس ذوو عدد من المسلمين منهم من هاجر معه بأهله. ومنهم من هاجر بنفسه. حتى قدموا أرض الحبشة " انتهى.
وعلى ذلك: فليس في هذه الهجرة دليل على الإقامة المطلقة في بلاد الكفر، بل فيها الانتقال من دار الكفر الظالم أهلها ، إلى دار كفر لا ظلم فيها ، فإنه لم يكن للإسلام في هذا الوقت: دولة ، ولا دار ، بل كانت مكة ، كغيرها من البلاد : تحت سلطان المشركين، وتصرفهم.
ثانيا:
وأما الانتقال من دار الإسلام إلى دار الكفر، فالأصل فيها المنع ، لما يؤدي إليه من المفاسد العظيمة التي لا تخفى على أحد ، من ضعف تعظيم شعائر الإسلام الظاهرة في قلب المقيم في بلاد الكفر ، أو عدم القدرة على إظهارها في كثير منها ، أو ضعف موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين في قلبه ، وما يحيط به من البحار المتلاطمة من الشبهات، والشهوات.
وأعظم مفاسد الإقامة في بلاد الكفر، على الإطلاق: خطرها على النشء ، وأبناء المسلمين الذي يولدون ، أو يعيشون هناك ، حتى يتطور بهم الحال إلى أن يكونوا من أبناء هذا المجتمع الذي نشأوا فيه ، بأخلاقه، وقيمه ، وآدابه ، وإن بقي لهم انتسابهم إلى الإسلام .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : ( 249838) .
فإذا دعت الضرورة ، أو الحاجة المعتبرة شرعا إلى هذه الإقامة ، فقد رخص فيها أهل العلم بشروط:
وملخصها :
1- أن يأمن الإنسان على دينه ، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان ما يبعده عن الانحراف.
2- أن يتقرر في نفسه : المولاة في الله ، والمعاداة فيه ، وأن يكون ركونه ، ومودته الدينية : لأهل الإيمان ، وميله ، وبراءته من الكفر وأهله .
3- أن يتمكن من إظهار دينه ، من الصلاة وغيرها.
هذا على سبيل الإجمال ، وأما على سبيل التفصيل، فقد سبق تفصيله في جواب السؤال رقم : (83912) ، ورقم : (143562) .
وينظر لمزيد الفائدة : جواب السؤال رقم : (72955).
والله أعلم.