عنوان الفتوى : الطريقة الشرعية لإرضاع الكبير كما في قصة سالم مولى أبي حذيفة
سؤالى بخصوص قصة إرضاع ابنة سهيل لسالم، وقول العلماء عن كيفية الرضاع؛ (قال القاضي: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما. وهذا الذي قاله القاضي حسن، ويحتمل أنه يعفى عن مسه للحاجة، كما خص بالرضاع مع الكبر). ما معنى (ويحتمل أنه يعفى عن مسه للحاجة)؟ هل معناه أنه مس ورأى صدرها عند الرضاعة؟ وكيف ذلك وهي كان بإمكانها حلب اللبن في إناء كما في القول الأول؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في شرح الزرقاني على الموطأ: قَالَ أَبُو عُمَرَ: صِفَةُ رَضَاعِ الْكَبِيرِ أَنْ يُحْلَبَ لَهُ اللَّبَنُ وَيُسْقَاهُ، فَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا فَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: وَلَعَلَّ سَهْلَةَ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَلَا الْتَقَتْ بَشْرَتَاهُمَا; إِذْ لَا يَجُوزُ رُؤْيَةُ الثَّدْيِ وَلَا مَسُّهُ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ. اهـ.
فظهر من هذا أن معنى الاحتمال الذي ذكره النووي -رحمه الله- أن المس حصل بالفعل، وأن ذلك كان رخصة لسالم خاصة، كما أنه حكم له بتحريم الرضاع له وهو كبير؛ رخصة له. وذلك اعتبارًا للحاجة وواقع حاله وحال مرضعته وزوجها، فقد كانوا جميعًا من أفاضل الناس وصالحيهم، وكان أبو حذيفة قد تبنى سالمًا في الجاهلية، فكان معه في بيته مع امرأته، يدخل عليهم كما يدخل الأبناء على آبائهم، ويعامل كما يعامَلون، فكان الترخيص في ذلك لما تقرر في أنفسهم وجرى في عادتهم من هذه المعاملة.
جاء في شرح الزرقاني على الموطأ أيضًا: كأنه أباح لها ذلك لما تقرر في نفسهما أنه ابنها وهي أمه، فهو خاص بهما لهذا المعنى. اهـ.
ومما استدل به أبو العباس القرطبي في (المفهم) على خصوصية سالم بذلك: قاعدة تحريم الاطلاع على العورة؛ فإنه لا يختلف في أن ثدي الحرة عورة، وأنه لا يجوز الاطلاع عليه، لا يقال: يمكن أن يرتضع ولا يطلع؛ لأنا نقول: نفس التقام حلمة الثدي بالفم اطلاع، فلا يجوز. اهـ.
يعني أن هذا الفعل جاز لسالم وحده، رخصة له ولسهلة بنت سهيل وزوجها أبي حذيفة، ولا يجوز فعل ذلك لأحد غيره.
وذكر ابن العراقي في (طرح التثريب) طرفًا من أقوال أهل العلم في ذلك، ثم قال: والحق ما ذكرناه أولًا من شربه محلوبًا. اهـ.
وراجعي الفتوى رقم: 181673.
والله أعلم.