عنوان الفتوى : من هم الحمادون لله على كل حال؟.

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سمعت أن أول فئة تدخل الجنة دون حساب ولا عذاب هم الحمادون لله على كل حال، فمن هم؟ وكيف نكون منهم؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.

أولا: حول صحة الآثار أن الحمادين أول من يدخل الجنة 

ورد في بعض الأحاديث والآثار ما يدل على أن الحمادين هم أول من يدعى لدخول الجنة، وورد في حديث آخر أنهم يدخلون الجنة بغير حساب، إلا أن هذه الأحاديث والآثار ـ خاصة المرفوع منها للنبي صلى الله عليه وسلم ـ لا تخلو من ضعف في أسانيدها، ودونك بيان ذلك:

فأما ما ورد في أنهم أول من يدعى إلى الجنة ـ دون ذكر أنهم لا يحاسبون ولا يعذبون ، فذلك فيما أخرجه الطبراني في "الكبير" (12345)، والحاكم في "مستدركه" ( 1851)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" ( 135، 136) من طرق عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول من يدعى إلى الجنة الحمادون ؛ الذين يحمدون الله في السراء والضراء

والحديث بهذا الإسناد ضعفه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في "الضعيفة" (632)، وشرح علله من جميع طرقه إلى حبيب بن أبي ثابت ، وبين أن المرفوع لا يصح من هذا الطريق.

وقد ورد الحديث موقوفاً على ابن عباس ، ومقطوعا على سعيد بن جبير.

فأما الموقوف؛ فقد أخرجه الحارث بن أبي أسامة ـ كما في "المطالب العالية" (4557) حدثنا هوذة، ثنا عوف، عن أبي المنهال، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " فذكر حديثا طويلا وفيه : فيجيء الله تبارك وتعالى فيهم، والأمم جثاً صفوفا، فينادي مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحمادون ربهم على كل حال، فيسرحون إلى الجنة .. الحديث"

قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ بعد تخريجه في المطالب: " هذا موقوف، إسناده حسن"

وأما ما ورد عن سعيد بن جبير من قوله؛ فقد أخرجه ابن المبارك في الزهد ( 206): أخبرنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير قال: " إن أول من يدعى إلى الجنة، الذين يحمدون الله على كل حال" .

وهذا إسناد صحيح كما جزم به العلامة الألباني في الموضع السابق من "الضعيفة"، قال: " ولعله الصواب".

ولا شك أن هذا الإسناد أقوى من جميع ما سبق، فرواية مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير ، من قوله : هي الأصح عن حبيب بن ابي ثابت، خاصة وأن شهر بن حوشب قد اضطرب في سياق متن الحديث وإسناده ، كما سيأتي بإذن الله.

فالراجح من ذلك ما استظهر الشيخ ألباني ـ رحمه الله ـ أنه الصواب ـ والله أعلم.

وجميع هذه الروايات ليس فيها ذكر أنهم يدخلون بغير حساب.

وللحديث شاهد بمعناه ورد فيه أنهم لا يحاسبون، وذلك فيما أخرجه هناد في "الزهد" (176)، وإسحاق بن راهويه وأبو يعلي الموصلي في مسنديهما ـ كما في "المطالب العالية" (4555): من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، قال: فيقوم مناد، فينادي: أين الذين كانوا يحمدون الله تبارك وتعالى في السراء والضراء؟ قال: فيقومون وهم قليل، فيدخلون الجنة بغير حساب"

والحديث بطرقه : مداره على شهر بن حوشب، وشهر فيه كلام كثير، وحاصل أمره: أنه كثير الوهم والخطأ ، والإرسال أيضا ، مع أنه في نفسه صدوق ـ كما بينه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2845). فمثله لا يحتج بحديثه إذا انفرد.

ويظهر ـ والله أعلم ـ أن هذا لا يعد طريقاً آخر يتقوى به ما سبق ، بل لعله من قلة ضبطه؛ اضطرب فيه ، فتارة يرويه عن أسماء ، وتارة عن ابن عباس موقوفاً عليه.

قال ابن رجب رحمه الله : " وممّن يضطرب في حديثه أيضاً شهر بن حوشب ، وهو يروي المتن الواحد بأسانيد متعددة" انتهى من"شرح العلل" (1/422).

ولو قيل بأن هذا الشاهد يمكن أن يقوي ما قبله، فكونهم يدخلون الجنة بغير حساب. لا يتقوى بسائر الروايات لعدم ورود ذلك فيها.

وقد ورد الحديث أيضاً بنحوه من حديث عقبة بن عامر ، فيما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 398)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 9)، من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنا في سفر، فكنا نتناوب الرعية، فلما كانت نوبتي، سرحت إبلي، ثم رجعت، فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب الناس فسمعته يقول:  ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ... الحديث

وفيه: ثم قال:   يجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، فينادي مناد: .. سيعلم أهل الجمع لمن الكرم اليوم، ثم يقول: أين الحمادون الذين كانوا يحمدون ربهم  .

وهذا إسناد ضعيف، فيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس، من أصحاب المرتبة الثالثة وقد عنعن، وهو مختلط، وسماع أبي الأحوص عنه : غير متميز ، هل كان قبل اختلاطه أو بعده.

وعليه فإن الإسناد ضعيف. كما بينه محقق المطالب.

وأصل الحديث محفوظ عن عقبة بن عامر في "صحيح مسلم" (234) وغيره، وليس فيه هذه الزيادة، فهي زيادة منكرة، فمثلها لا يتقوى بها الحديث . والله أعلم.

ومع ذلك فهذا الحديث من هذا الطريق بعينه؛ تتبع أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج علته، ورحل من أجلها إلى البلدان ليعرف الساقط الذي دلسه أبو إسحاق، ثم اكتشف أن مدار الحديث على شهر بن حوشب وأنه أُسقِط من هذا الإسنادـ فقال: " دمِّر على هذا الحديث." في قصة طويلة مؤثرة ، تجدها مفصلة في "كتاب الرحلة في طلب الحديث" (59) للخطيب البغدادي، وغيره.

وبهذا يتبين أن الحديث بطريقيه المرفوعين، والموقوف على ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وباختلاف رواياته  يدور على شهر بن حوشب، وأنه من دلائل اضطرابه وأنه لا يصح تقوية هذه الطرق ببعضهاـ لأنها طريق واحد في الحقيقة.

ثانيا: ما المقصود بالحمادين الذين هم أول من يدعى لدخول الجنة 

هذا المعنى الذي تضمنته هذه الأحاديث من كون الحمادين هم أول من يدعى لدخول الجنة، إذا فُسِّر بما فسره به بعض العلماء، من أن المراد بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يكون موافقاً للأحاديث الصحيحة مؤتلفا معها.

وبهذا المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ

قال ابن القيم في "جلاء الأفهام" (178): "وأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الحمادون؛ يحمدون الله على السراء والضراء، وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وبيده لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي ربه عز وجل للشفاعة ويؤذن له فيها يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ". وانظر: "الجواب الصحيح" ( 5/270).

وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم أول من يدخل الجنة بالنسبة للأمم الأخرى، كما أخرج مسلم في صحيحه (855) من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، ... الحديث .

فطريقك ـ أيها الأخ السائل ـ وفقك الله ـ  لتكون من الحمادين؛ أن تلتزم بالإسلام اعتقادا وقولاً وعملاً ، وأن تحمد الله في السراء والضراء، رضا وصبراً دون جزع ولا سخط. بل يكون قلبك راضيا عن الله وبالله في العسر واليسر، والمنحة والمحنة. قال ابن القيم: " قال أحمد بن أبي الحواري: ذاكرت أبا سليمان في الخبر المروي (أول من يدعى إلى الجنة الحمادون) فقال: ويحك ليس هو أن تحمده على المصيبة، وقلبك يتعصى عليك، إذا كنت كذلك فارجع إلى الصابرين، إنما الحمد: أن تحمده وقلبك مسلم راضٍ"  انتهى من "مدارج السالكين" (2/218).

ثم وطن لسانك على ألا يزال لهجا بذكر الله وحمده ، وأقبل على ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من صيغ الحمد كلها، فأحصه، واجعلها هجيراك في ذكرك، وأورادك، وسائر حالك .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (104047)، ورقم : (178603)، ورقم : (179328)، ورقم : (132283) .

والحمد لله رب العالمين.

والله أعلم.