عنوان الفتوى : وجه الشرك في قوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)
ما القول الفصل في الآية رقم 121 من سورة الأنعام ، وهل يجب التسمية ؟ وهل يجوز شراء الدجاج من رجل لا يصلي وربما لا يذكر اسم الله عند الذبح ، فهل يجوز الشراء منه ؟ وما وجه الشرك في هذه الآية ؟ وهل هو شرك أكبر أم أصغر؟ وما هي نصيحتكم للخروج من هذا الخلاف الكبير؟
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في حكم التسمية عند الذبح، هل هو سنة، أم شرط مع الذكر، أم شرط مطلقا؟
والراجح القول الثالث، فلا تحل الذبيحة إذا لم يسمّ عليها ولو سهوا، وهذا مذهب الظاهرية ورواية عن مالك وأحمد ، وقول جماعة من السلف ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن أدلتهم قوله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ الأنعام/121 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ رواه البخاري (2488) ، ومسلم (1968).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) الأنعام/ 121 ، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل ) فشرط لحل الأكل التسمية ، ومعلوم أنه إذا فقد الشرط فقد المشروط ، فإذا فقدت التسمية فإنه يفقد الحل ، كسائر الشروط .
ولهذا لو أن إنسانا صلى وهو ناسٍ أن يتوضأ ، وجبت عليه إعادة الصلاة ، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث ، بحيث يظن أن الريح لا تنقض الوضوء ، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلا ، فعليه الإعادة ، لأن الشرط لا يصح المشروط بدونه .
وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم ، ناسيا أو جاهلا ، فإنها لا تحل ، فكذلك إذا ترك التسمية ؛ لأن الحديث واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (6/358).
ثانيا:
لا تحل ذبيحة تارك الصلاة ولو سمى عليها.
وينظر: جواب السؤال رقم : (70278) .
فإذا علمت أن بائع الدجاج لا يصلي، فلا تشتر منه دجاجا مذبوحا، بل اشتره حيا واذبحه بنفسك، أو اشتر من غيره من أهل الصلاة.
ثالثا:
قوله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ الأنعام/121 .
وجه الشرك هنا هو الطاعة في التشريع، بتحليل الميتة التي حرم الله أكلها؛ فإن من أطاع من حلل الحرام، فقد جعله شريكا لله في التشريع، كما قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ الشورى/21 .
وقد كان المشركون يرون حل الميتة، ويُثيرون شبهة في ذلك، وهو أن الميتة قد ذبحها الله! فأخبر الله أن من أطاعهم في تحليل هذا الحرام: كان مشركا.
وهذا الشرك في الطاعة عام في كل من أطاع غيره في تحليل الحرام المجمع عليه، أو تحريم الحلال المجمع عليه.
وأما ما اخُتلف فيه كمتروك التسمية، فهذا من مسائل الاجتهاد، ولا يكون المتبع لقول من أحلها مشركا.
وانظر سبب الخلاف في متروك التسمية في جواب السؤال رقم : (235020) .
واعلم أن من أكل الميتة، أو فعل حراما مجمعا عليه، مع اعتقاد التحريم، كان عاصيا.
وأما من اعتقد حل الحرام، ابتداءً، أو طاعةً لغيره ، فهو مشرك .
وشرك الطاعة هذا شرك أكبر، وقد دلت عليه الآية السابقة، كما دل عليه وقوله تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا الكهف/26 .
كما دل عليه حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: " أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقي صليبٌ من ذهب، فقال: يا عديّ، اطرح هذا الوثنَ من عنقك! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة"، فقرأ هذه الآية: اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله ، قال قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم! رواه الترمذي (3095) والطبري في تفسيره (14/ 210)، واللفظ له، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/ 258) : "وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لا شريك له فيه، على كلتا القراءتين، جاء مبينا في آيات أخر، كقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) [12 \\ 40] ، وقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله عليه توكلت) الآية [12 \\ 67] ، وقوله تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) [42 \\ 10] ، وقوله تعالى: (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير) [40 \\ 12] ، وقوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) [28 \\ 88] ، وقوله تعالى: (له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون) [28 \\ 70] ، وقوله: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) [5 \\ 50] ، وقوله تعالى: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) [6 \\ 114] ، إلى غير ذلك من الآيات.
ويفهم من هذه الآيات، كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) [18 \\ 26] ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله: أنهم مشركون بالله.
وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) [6 \\ 121] ؛ فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم.
وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى: هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) [36 \\ 60، 61] ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) [19 \\ 44] ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) [4 \\ 117] ، أي: ما يعبدون إلا شيطانا، أي: وذلك باتباع تشريعه، ولذا سمى الله تعالى الذين يُطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء، في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) الآية [6 \\ 137] .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) [9 \\ 31] ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله ، فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.
ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله ، يُتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت : بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب ; وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) [4 \\ 60] .
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا : يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه، مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم : (3431) .
والله أعلم.