عنوان الفتوى : نظرات في حوار خيالي بين أهل الدنيا والآخرة
ما حكم هذا الحوار الخيالي بين شاب من أهل الدنيا وآخر من أهل الآخرة؟ وما حكم نشره؟ حوار خيالي بين شاب من أهل الدنيا وشاب من أهل الآخرة: دنيا: أزيك يا صاحبي، وحشتني!! آخره: الحمد لله، وانت كمان !! دنيا: يا بختك، ارتحت أوي، الدنيا بقت صعبة جدا، أنا أحسدك!! آخره: صعبة؟! أنت شايف كده؟ شايف اللي أنا فيه راحة؟؟! دنيا: آه طبعا، الواحد مطحون، ومش مرتاح، والهم راكبه على طول! آخره: هم إيه اللي راكبك؟! و الله ما أنت فاهم حاجة، كنت بقول زيك، ويارتني أرجع وأعيش كل الهموم بس أرجع، أنا اللي بحسدك!! دنيا: يااا للدرجه دي، طب ليه بتقول كده، ده أنا فاكرك مرتاح!! آخره: عارف يا صاحبي أنا كنت شايف الدنيا ديه غلط أوي، كنت ناسي حاجة اسمها موت، موت يعني هتقابل ربك، مش موت يعني ترتاح، مش قادر أوصفلك لما فجأة كنت قاعد ومكنتش تعبان ولا بشتكي من أي حاجة، وفجأه ظهر قدامي ملائكة، وجسمي عامل زي اللي اتخدر، مش عارف أعمل حاجة، وملك الموت وقف عند رأسي، كنت عايز أقوله أديني خمس دقايق بس أصلي ركعتين توبة لربنا عن أي غلطة، بس خلاص كان فات الأوان، شفت روحي طالعة قدام عينيا، مش عارف أمسكها، ولا عارف أقولها ارجعي هتروحي تقولي لربك إيه!! (بيبكي) دنيا: طب وقبرك؟!! آخره: يااااااااااااااااااه متفكرنيش، أول لما كلكم سبتوني ومشيتوا كنت سامعكوا وأنتم ماشيين، كنت عايز أقول لكم: اصبروا متسبونيش لوحدي، بس مكنتش قادر أنادي ، فجأه ظهر لي ملكان مهما حكتلك شكلهم عامل ازاي مرعبين اوي، قوموني، وبدأو في سؤالي، أسئلتهم مفيش أسهل منها، بس مش أي حد يجاوب عليها!! دنيا: طب قولي إيه اكتر حاجة ندمان عليها!! آخره: (بكاء شديد)، أول حاجة ندمان عليها الصلاة، ندمان على كل فرض فات مني أوي، كنت بكسل كتير وأطنش والنوم واخد نص يومي، إزاي مكنتش بصلي؟ إزاي مكنتش بقابله؟ محدش بقالي غيره والله، هو كان بينادي علي كل يوم خمس مرات، وأنا ولا فارق عندي، أنا مش عارف يوم القيامة هقوله إيه، أصحابي اللي كانوا بيخلوني مصليش راحوا فين دلوقتي، نسيوني ومش نفعني بحاجة، الدنيا اللي كانت بتأخدني اوي وتشغلني ساعة الصلاة راحت فين؟ راحت لغيري ورمتني في التراب، ندمان اوي على إني لما ناداني مقولتش حاضر يا رب!! دنيا: طب والقرآن احكيلي عامل معاك إيه في القبر؟! آخره: (ببكاء شديد) القرآن؟! كان آخر اهتمامتي، كان ايه اللي هيحصلي لو كنت قرأت كل يوم فيه صفحة واحدة، كانت فين دماغي؟! أنا بشوف ناس معايا هنا، القرآن مونسهم في القبر أحلى ونس، وأنا قاعد في وحشة القبر لوحدي، وأنت مش عارف يعني ايه وحشة قبر!! دنيا: طب والقيام والصدقات والأعمال ديه كنت بتعملهم؟! آخره: القيام، ياه أنا بعض الأرض ندم إن ربنا كان بيبقى في السماء الدنيا ومكنتش بصلي حتى ركعتين ينورولي قبري، مكنتش برفع ايدي ادعيه، في ناس معايا قبورهم نورها مش هيجي في بالك، وكل ده علشان كانوا بيقوموا في الظلمة يصلوا، والصيام والصدقات كنت للأسف بضحك علي أهلها، بقول مضيعين دنيتهم وفلوسهم علي أيه ، طلعوا أزكى مني، بيحوشوا ليوم فيه بتفرق، أنا اللي ضعت يا صاحبي، والله أنا اللي ضعت!! دنيا: انصحني طيب!! آخره: أوعى تغرك الدنيا، أوعى تفتكرها دايمة، أنا روحت في غمضة عين، خليك مع ربنا متعملش زيي، والله هو بيحبك أوي لكن احنا فاكرين الدنيا بتحبنا أكتر، خليك حريص على الحسنة، متكسلش عن طاعة، والله اللي انت بتضيع نفسك علشانهم زايلين ومش نافعينك، والله ما حد باقيلك غير ربك، قرب منه، الدنيا لا تسوى جناح بعوضة والله، خلي يوم موتك لقاء شوق مش لقاء خوف، قدامك لسه تصلح، لكن أنا خلاص راحت علي، فهمت ليه أنا اللي بحسدك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حيث المبدأ: لا نرى مانعًا من كتابة ونشر مثل هذا الحوار التخيلي الذي يراد منه الوعظ والتذكير! حكمه في ذلك حكم تأليف القصص الخيالية، وضرب الأمثال الوهمية، والحكايات على ألسنة الحيوانات، ونحو ذلك، لتقريب المعاني وإيضاح الأفكار، ومعالجة قضايا الواقع بطرق ملفتة للنظر وجاذبة للانتباه، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 13278، 109936، 139334.
ومما يستأنس به في ذلك: ما ذكره عبد الحق الإشبيلي في (العاقبة في ذكر الموت)، والقرطبي في (التذكرة)، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه مرّ بالمقابر فوقف عليها فقال: "السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وبكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي في جميع أحواله عن الله تعالى. ثم قال: يا أهل القبور! أما الزوجات فقد نكحت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت. هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما إنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى".
ويبقى النظر بعد ذلك في صحة عبارات هذا الحوار ومعانيه. ففيها ما ينبغي تعديله، كقول الميت لصاحبه: (والله هو يحبك) يعني الله تعالى، فإن الله تعالى لا يحب كل البشر؛ فقد نص القرآن على نفي هذه المحبة في حق من لا يستحقها؛ كالظالمين، والمعتدين، والمفسدين، والخائنين، والفرحين بالدنيا المنشغلين بزينتها، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57]، وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [المائدة: 64]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]. قال السعدي: أي: لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، وتفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن الله لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها. اهـ.
وقال ابن كثير: قال ابن عباس: يعني المرحين. وقال مجاهد: يعني الأشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم. اهـ.
والله أعلم.