عنوان الفتوى : حديث عند الطبري أن مَلَكَ يمين العبد أمين على ملك الشمال
هذا الحديث رواه الطبراني في تفسيره عند قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) قال حدثني المثنى ثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري ثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي، قال: دخل عثمان بن عفان على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال له: يا رسول اللّه أخبرني عن العبد ، كم معه ملك؟ فقال: (على يمينك ملك على حسناتك ، وهو أمين على الملك الذي على الشمال ، فإذا عملت حسنة كتبت عشراً، وإذا عملت سيئة ، قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أكتب؟ فيقول له: لا، لعله يستغفر اللّه ويتوب، فإذا قال ثلاثاً، قال: نعم، اكتب أراحنا اللّه منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله ، وأقل استحياؤه منا ) فما صحة هذا الحديث ؟ وهل له رواية أخرى ؟
الحمد لله
أولا:
هذا الحديث رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (13 / 457) ؛ قال: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْقُشَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ قَالَ: " دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْعَبْدِ، كَمْ مَعَهُ مَنْ مَلَكٍ ؟
فَقَالَ: مَلَكٌ عَلَى يَمِينِكَ؛ عَلَى حَسَنَاتِكَ، وَهُوَ أمين عَلَى الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ، فإِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ: أَكْتُبُ؟ قَالَ: لَا، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ. فَإِذَا قَالَ ثلاثا، قال:نَعَمْ، اكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ. مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ، وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ مِنَّا... .
وهذا الحديث ضعفه أهل العلم ؛ لأسباب :
السبب الأول : لجهالة شيخ الطبري المثنى بن إبراهيم الآملي .
السبب الثاني: لجهالة إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري .
السبب الثالث : لعدم ثبوت سماع كنانة العدوي من عثمان بن عفان رضي الله عنه .
قال الشيخ محمود شاكر رحمه الله تعالى:
" إسناد مشكل ، منكر.
( إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري )، وسلف ( التستري ) وكان في ذلك الموضع في ابن كثير( القشيري )، لا ندري أيهما الصواب، ولم نجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال...
وأما( كنانة العدوي)، فهو" كنانة بن نعيم العدوي"، تابعي ثقة، لم يذكر أنه أدرك عثمان بن عفان أو روى عنه.
فهذا حديث فيه نكارة وضعف شديد، وانفرد بروايته أبو جعفر الطبري عن المثنى. انظر تفسير ابن كثير، والدر المنثور. وقال ابن كثير: إنه حديث غريب جدًا " انتهى من "تفسير الطبري- بتحقيق العلامة الشيخ محمود محمد شاكر" (16 / 370 – 371).
وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله ، هذا الحديث في تفسيره لسورة الرعد ، عند قوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ) الرعد/11 ، نقلا عن الطبري ؛ قال :
" وقد ذكر الإمام ابن جرير ههنا ، حديثا غريبا جدا .. " ثم ذكره (2/655) .
ولم نقف لهذا الحديث على رواية أخرى تقويه.
ثانيا:
ما يتعلق بأن ملك اليمين أمين على ملك الشمال، ورد في ذلك حديث غير صحيح؛ حيث روى البيهقي في "شعب الإيمان" (9 / 271 - 272) وغيره، عن بِشْرِ بْنِ نُمَيْرٍ و جَعْفَر بْن الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاحِبُ الْيَمِينِ أَمِينٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ له بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً فَأَرَادَ صَاحِبُ الشِّمَالِ أَنْ يَكْتُبَهَا قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ: أَمْسِكْ، فَيُمْسِكُ سِتَّ سَاعَاتٍ أَوْ سَبْعَ سَاعَاتٍ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْفِرِ اللهَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" موضوع.
رواه البيهقي في "الشعب"، وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح المعاني"، والواحدي في "تفسيره" عن بشر بن نمير عن
القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد واه جدا، بشر بن نمير قال الحافظ: "متروك متهم".
قلت: وقد تابعه جعفر بن الزبير - وهو مثله أوشر منه - عن القاسم به" انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (5 / 262).
وورد من رواية ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ؛ رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8 / 225) قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاحِبُ الْيَمِينِ أَمِينٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أَثْبَتَهَا، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْيَمِينِ: امْكُثْ سِتَّ سَاعَاتٍ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا أَثْبَتَ عَلَيْهِ سَيِّئَةً .
وهذا إسناد ضعيف؛ لأن الوليد بن مسلم مدلس ؛ يروي عن شيوخه مالم يسمع منهم، بصيغة غير صريحة في السماع كـ (عن) ، كما في هذا الإسناد حيث قال الوليد بن مسلم: عن ثور بن يزيد.
والراوي عنه، وهو مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، هو محمد بن المتوكل كثير الغلط.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم، العسقلاني، المعروف بابن أبي السَّرِيِّ، صدوق عارف، له أوهام كثيرة " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 504).
وينظر للفائدة ، حول هذا الحديث ورواياته :
https://goo.gl/YN11nZ
وقد سبق الحديث حول ما يكون مع العبد من الملائكة ، فينظر جواب السؤال رقم : (6523).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
حديث عند الطبري أن مَلَكَ يمين العبد أمين على ملك الشمال |