عنوان الفتوى : حد الغلظة المأمور بها في قوله تعالى: وليجدوا فيكم غلظة
من المعلوم أن الغلظة على أهل الكفر الحربيين مشروعة في الإسلام (وليجدوا فيكم غلظة)، ومن الغلظة مع الكافرين في الجهاد ذبحهم وتذكيتهم بالسكين (المُدية)؛ فما حكم هذه التذكية؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذبح المحاربين أو الأسرى بالسكين لا نعلمه من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم نجد أحدًا من أهل العلم فسر به الغلظة المشروعة، وقد قاتل صلى الله عليه وسلم صناديد الكفر من قريش يوم بدر، وقتل منهم سبعين وأسر مثلهم، وبعد المعركة أمر بدفن القتلى، والإحسان إلى الأسرى، ثم فاداهم.
والأصل الجامع في هذه المسألة هو قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [النحل: 90]، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. رواه مسلم.
قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين: معنى إحسان القتل: أن يجتهد في ذلك ولا يقصد التعذيب. اهـ.
وروى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أعفُّ الناس قِتْلة أهل الإيمان. قال العظيم آبادي في (عون المعبود): "أعف الناس قتلة" بكسر القاف: هيئة القتل، أي: أكفهم وأرحمهم من لا يتعدى في هيئة القتل التي لا يحل فعلها من تشويه المقتول وإطالة تعذيبه "أهل الإيمان" لما جعل الله في قلوبهم من الرحمة والشفقة لجميع خلقه بخلاف أهل الكفر. اهـ.
وقال المناوي في (فيض القدير): أي: هم أرحم الناس بخلق الله، وأشدهم تحريًا عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه؛ إجلالًا لخالقهم وامتثالًا لما صدر عن صدر النبوة من قوله: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان واكتفوا من مسماه بلقلقة اللسان، وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، ومن لا يرحم لا يرحم. اهـ.
والله أعلم.