عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم)، ومصير المعبودات الباطلة من دون الله .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قال الله تعالى في سورة الصافات :(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)) ، فهمي لهذه الآية أن الله عز وجل سيأمر يوم القيامة بحشر الكفار مع أزواجهم وما كانوا يعبدون من دونه ، هناك سؤالان، الأول هو: ما معنى كلمة أزواجهم في هذه الآية ؟ فأظن أن لها معنى آخر ، وإن لم يكن كذلك ، فهل يحاسب الزوج على ديانة زوجته ، وإن كان كذلك لماذا يسمح الإسلام للرجال الزواج بنساء من أهل الكتاب ؟ والسؤال الثاني هو : هناك في القديم قبائل كانت تعبد الشمس ، وأخرى القمر ، وأخرى حيوانات ، فهل هذه الحيوانات والشمس والقمر والنار والأصنام يدخلون النار مع من كان يعبدهم ؟

مدة قراءة الإجابة : 12 دقائق

الحمد لله  

أولًا:

فنسأل الله أن يبارك في عمرك، وأن يرزقك فهم كتابه، والعمل بدينه .

ثانيًا:

قوله تعالى:  احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ  الصافات/22-23، فقد ذكر العلماء في المراد بالأزواج في الآية:

أن المراد بها: أتباعهم، وأشباههم، والذين عملوا بأعمالهم الباطلة .

كما قال تعالى:  وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ  الواقعة/7-9.

انظر: "تفسير الطبري"(19/ 519).

يقول ابن كثير رحمه الله ، في تفسير قوله تعالى: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد): " يقول تعالى: مقرنين أي: بعضهم إلى بعض، قد جمع بين النظراء أو الأشكال منهم، كل صنف إلى صنف، كما قال تعالى: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم [الصافات: 22] ، وقال: وإذا النفوس زوجت [التكوير: 7] ، وقال: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا [الفرقان: 13] " انتهى من "التفسير"(4/ 522).

فلا علاقة للآية بمسألة الزواج، فمن تزوج مسلمة ، وكانت من أهل الجنة، فإنها تدخل الجنة، ومن تزوج بغير مسلمة فهي من أهل النار، وليس على زوجها من وزر اعتقادها وعبادتها شيء . وللزواج منها حكم أخرى، يمكنك مراجعتها في الأجوبة رقم : (83736)، (2527)، (45645) .

ثالثًا:

ما عبد من دون الله عز وجل:

1.     إما عاقل.

2.     وإما غير عاقل:

فالعاقل مثل: عيسى عليه السلام، والملائكة، ومثل بوذا، وغير العاقل مثل الشمس والشجر والحجر والقمر إلى آخره.

•       ومن عبد من دون الله عز وجل وهو عاقل ينقسمون إلى قسمين أيضا:

1.     إما راض بالعبادة.

2.     وإما غير راض بها.

فالقسم الأول: كفرعون وإبليس وغيرهما من الطواغيت، وهؤلاء في النار مع عابديهم، كما قال الله عز وجل:  إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)  سورة/البقرة ، وقال تعالى في شأن إبليس:  لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ  ص/85 ، وقال في شأن فرعون:  يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ   هود/98، وقال تعالى:  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ  فصلت/29.

والقسم الثاني:

وهو من كان مطيعا لله وغير راض بالعبادة له من دون الله كعيسى ومريم وعزير والملائكة وغيرهم، فهم برآء ممن عبدهم في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)المائدة/116 .

وقال تعالى في شأن الملائكة:  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) سبأ/40-41، وقال تعالى في شأن كل من عبد من دون الله تعالى من الملائكة وعيسى وأمه وعزير وغيرهم من أولياء الله مطلقا إلى يوم القيامة:  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)  الفرقان/17-19 .

 •       وأما غير العاقل من الأشجار والأحجار وغيرها ، فهؤلاء يكونون في النار، مع من كان يعبدهم من دون الله ، وإن كانت الأصنام لا تشعر بشيء من ذلك ، لكنهم يشتعلون نارا على من كان يعبدهم ، ويكونون وقودا لهذه النار التي تعذب عابديهم، ليظهر الخزي والحسرة والنكال على هؤلاء العابدين .

وقد جمع الله تعالى أصناف هؤلاء جميعا ، واستثنى المعبودين الصالحين، مثل عيسى والملائكة عليهم السلام ، وأخبر بأنهم ليس عليهم من وزر المشركين شيء، ولا مدخل لهم في العذاب مع هؤلاء المشركين . قال الله تعالى:  إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ  الأنبياء/98-103

قال الشيخ السعدي رحمه الله : " أي: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره : حَصَبُ جَهَنَّمَ أي: وقودها وحطبها أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ وأصنامكم.

والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب : بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال: لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ، وهذا كقوله تعالى: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ .

وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها.

لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ من شدة العذاب وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ صم بكم عمي، أولا يسمعون من الأصوات غير صوتها، لشدة غليانها، واشتداد زفيرها وتغيظها.

ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو الأصنام، أو من عبد، وهو راض بعبادته.

وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة.

أُولَئِكَ عَنْهَا أي: عن النار مُبْعَدُونَ فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها، بل يبعدون عنها، غاية البعد، حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها." انتهى من "تفسير السعدي" (531).

وينظر: "تفسير ابن كثير"(5/377) .

وفي الصحيح من حديث أبي سعيد في الشفاعة بطوله وفيه:  ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون؛ فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم  .

وفيه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:  يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه؛ فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت  رواه البخاري (7437)، ومسلم (182).

انظر: "معارج القبول"(2/ 486).

والله أعلم