عنوان الفتوى : بيان السنة في المهر وكم يساوي في الوقت الحالي
أنا الآن مقبل على الزواج ـ إن شاء الله ـ ، وقد خطبت ـ ولله الحمد ـ ، وأحاول قدر جهدي أن أتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع شؤون زواجي ، وأسأل الله أن يبارك فيه ، وينفع به الإسلام و المسلمين ، وقد قرأت في فتواكم رقم (٣١١٩) أن صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه كان مقداره ثنتي عشرة أوقية ونصف ، أي ١٤٨٧.٥ جراما من فضة، ، ثم في فتواكم رقم (١٠٥٢٥) ما في معناه أن خير النكاح أو الصداق أيسره ، مطلقاً من غير تقييد ، وقد هممت أن أصدق خطيبتي مثل صداق النبي صلى الله عليه و سلم ، أي قيمة ١٤٨٧.٥ جراما من فضة ، علماً أنها تريد ما أريد من البركة في الزواج إذا كان هذا المقدار هو سنة النبي صلى الله عليه و سلم في المهر، إلا أن بعض الأخوة أشاروا بأن هذا المبلغ الزهيد ليس إكراماً لها، وأن حديث (خير الصداق أيسره) مقيد بالعرف ، وبمهر المثل ، وبحالتي المادية من فقر أو غنى ، فيكون خير الصداق ما قلّ مقارنة بمهر المثل ، وبقدرتي المادية ، وليس على إطلاقه. سؤالي هو: ما هي أفضل المهور وأقربها إلى السنة: هل هو مقدار ١٤٨٧.٥ جراما من فضة ؟ أم هو القليل اليسير على إطلاقه ؟ أم هو القليل اليسير مقيداً بالعرف وبمهر المثل وبحالتي المادية؟
الحمد لله
السنة التخفيف في المهر، والتيسير فيه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خير النكاح أيسره رواه ابن حبان . وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3300).
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خير الصداق أيسره رواه الحاكم والبيهقي . وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(3279) .
وقد كان مهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم 500 درهم من الفضة، وكان مهر بناته 400 درهم، وقد استحب الفقهاء ألا يزاد في المهر على ذلك.
قال النووي رحمه الله: "والمستحب أن لا يزيد على خمسمائة درهم، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتى عشرة أوقية ونشا ، أتدرون ما النش ؟ نصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم)" انتهى من "المجموع" (16/ 322).
ولكن كانت الفضة في تلك الأزمنة لها شأن، وكان الدرهم من الفضة يساوي عُشر الدينار من الذهب.
قال الأستاذ محمد بن علي بن حسين الحريري في بحثه "أوراق النقود ونصاب الورق النقدي": "كان سعر الصرف بين الدرهم والدينار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر هو 1: 10 فالدينار يعادل عشرة دراهم ويتضح ذلك من الأمور التالية:
- نصاب زكاة النقدين 200 درهم فضة = 20 مثقالا من الذهب.
- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " كانت قيمة الدية على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم" فالدينار يعادل عشرة دراهم.
وهذا التقدير هو قيمة الإبل الواجبة في الدية، فلما استخلف عمر رضي الله عنه قام خطيبا فقال: إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا ، وهذا يعني أن الدينار بلغ في عهد عمر 12 درهما.
- جعل عمر رضي الله عنه الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعين درهما على أهل الورق، وروى أبو يوسف عن ابن مسعود أنه قال: (لا يقطع إلا في دينار أو عشرة دراهم). ويقول أبو عبيد في الأموال: لأن أصل الدنانير أن يعدل الدينار بعشرة دراهم. فهذا كان سعر الصرف، وقد أخذ هذا السعر يتغير فيما بعد حتى صار في العصر الأموي الدينار يعادل اثني عشر درهما، ووصل في العصر العباسي إلى مساواته لخمسة عشر درهما وأكثر. ونقل علي مبارك عن المقريزي أن الدينار في زمن الفاطمين صار بأربعة وثلاثين درهما)" انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية" (39/ 250).
وعليه فخمسائة درهم من الفضة كانت تعادل 50 دينار من الذهب، والدينار= 4.25 جراما.
فخمسمائة درهم= 50× 4.25= 212.5 جراما من الذهب.
فالذي يظهر والله أعلم أنه مع انخفاض سعر الفضة الآن : إما أن ينظر إلى ما كانت تساويه من الذهب في عصر النبوة، ويقال: المستحب ألا يزاد على ذلك في المهر .
فإن كان هذا كثيرا، ندب الناس إلى التخفيف عنه .
أو يقال : إن الأقرب أن السنة في المهر : التخفيف فيه ، بحيث يحصل مقصد الشرع من الحث على النكاح ، والتشجيع عليه ، وتيسير السبل إليه ، ولا يرهق الزوج بما يشق عليه من المهر وما إليه من نفقة التجهيز ، وإثقال كاهله بالدين ، وهو في مقتبل عمره ، وأول حياته ، كما هو حاصل مشاهد من الناس .
ويحقق في الوقت نفسه : مقصد الشرع ، من إكرام المرأة ، وإعطائها حقها في الصداق ، اللائق بها ، ولا يكون ذريعة لتساهل الناس في أمر الطلاق ، لخفة ما أنفق من المهر ، أو ما يلزمه من ذلك ، إذا طلق .
ويكون مرد ذلك إلى حال الناس من اليسار والإعسار ، وما يتعارفون عليه من التخفيف في مثل ذلك .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الشرع المطهر لم يحدد في المهر شيئًا معلومًا، بل أطلق للناس ما يتفقون عليه من المهور ، قليلة أو كثيرة .
لكن الشارع رغب في التقليل والتيسير ترغيبًا في النكاح، وعفة الرجال والنساء.
ومن ذلك قوله عليه السلام: خير الصداق أيسره وكان زوج بناته على خمسمائة، وتزوج على خمسمائة، وروي أنه زوج بناته على أربعمائة، فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يحث على تخفيف المهور وتيسيرها ولم يغال فيها لا مع أزواجه، ولا مع بناته عليه الصلاة والسلام.
فالمشروع للمؤمن أن يخفف وألاّ يتكلف في ذلك، ولكن الأوقات تختلف في الغلاء والرخص، وتيسّر الحاجات وعدم تيسّرها .
فيشرع لأهل الزواج أن يتفقوا على شيء مناسب ، ليس فيه إجحاف بالزوج ، ولا مضرة على الزوجة، ولا تعطيل للنساء والشباب .
وكلما كان ذلك أيسر ، وأقل : كان أفضل ، حتى يتيسر للجميع حصول النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
فالمؤمن يحرص على أن يزوج بنته وأخته وموليته بكل وسيلة شرعية، حتى لا تتعطل وحتى لا تتعرض للأخطار، والرجل كذلك يحرص على أن يتزوج، ويحرص أبوه وأخوه وأقاربه على تزويجه والتعاون معه في ذلك حتى لا يتعرض لأخطار العزوبة ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وكثر فيه المتبرجات من النساء، وضعف فيه الوازع الديني فينبغي للجميع، الرجال والنساء، الحرص على أسباب الزواج، وعلى تسهيله" انتهى من " فتاوى نور على الدرب" (20/ 426).
والحاصل :
أنه لا يظهر التقيد بالقدر المذكور من الفضة ، نظرا لما أصاب الفضة من كساد شديد ، بل تكرم زوجتك بمهر ملائم ، يتحقق فيه التيسير ، وعدم المشقة عليك ، مع حصول معنى "المهر".
ثم إنكما مهما تراضيتما عليه من شيء : فهو جائز ، ولا حرج عليكما فيه ، قليلا كان أو كثيرا ؛ ما دام الكثير : إنما يحصل مع السعة ، وعدم الإشقاق على الزوج .
واليسير : إنما يحصل بطيب نفس الزوجة ، ورضا أهلها ، من غير استحياء منهم .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |