عنوان الفتوى : موقف أهل السنة والجماعة من عبد الملك بن مروان والحجاج الثقفي
ما هو القول في عبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف الثقفي وقتلهم لعبد الله بن الزبير؟ وما هو قول أهل السنة والجماعة فيهم؟ وما هو موقف عبد الله بن الزبير؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من طريقة أهل السنة، أنهم لا يحكمون على المعينين من المسلمين بجنة أو نار، بل يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء، ويوالون الشخص بقدر ما يظهر من طاعة وإيمان، ويبغضونه بقدر ما فيه من فسق وعصيان، ولا يتشاغلون بسب الظلمة والفجار من المسلمين ولعنهم، وننقل هاهنا كلاما نفيسا لابن تيمية في تقرير هذه الأصل في سياق كلامه على أمراء المسلمين، يقول فيه: ولو قال قائل هذا فيمن هو دون معاوية من ملوك بني أمية وبني العباس كعبد الملك بن مروان وأولاده وأبي جعفر المنصور وولديه ـ الملقبين بالمهدي والهادي ـ والرشيد وأمثالهم من الذين تولوا الخلافة وأمر المؤمنين، فمن نسب واحدا من هؤلاء إلى الردة وإلى أنه مات على دين النصارى لعلم كل عاقل أنه من أعظم الناس فرية، فكيف يقال مثل هذا في معاوية وأمثاله من الصحابة، بل يزيد ابنه مع ما أحدث من الأحداث من قال فيه: إنه كافر مرتد فقد افترى عليه، بل كان ملكا من ملوك المسلمين كسائر ملوك المسلمين، وأكثر الملوك لهم حسنات ولهم سيئات، وحسناتهم عظيمة، وسيئاتهم عظيمة، فالطاعن في واحد منهم دون نظرائه إما جاهل وإما ظالم وهؤلاء لهم ما لسائر المسلمين منهم من تكون حسناته أكثر من سيئاته، ومنهم من قد تاب من سيئاته، ومنهم من كفر الله عنه، ومنهم من قد يدخله الجنة، ومنهم من قد يعاقبه لسيئاته، ومنهم من قد يتقبل الله فيه شفاعة نبي أو غيره من الشفعاء، فالشهادة لواحد من هؤلاء بالنار هو من أقوال أهل البدع والضلال، وكذلك قصد لعنة أحد منهم بعينه ليس هو من أعمال الصالحين والأبرار، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله الخمرة وعاصرها ومعتصرها وحاملها وساقيها وشاربها وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها ـ وصح عنه: أنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يكثر شربها يدعى حمارا، وكان كلما أتي به النبي صلى الله عليه وسلم جلده فأتى به إليه ليجلده فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله ـ وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر عموما ونهى عن لعنة المؤمن المعين، كما أنا نقول ما قال الله تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ـ فلا ينبغي لأحد أن يشهد لواحد بعينه أنه في النار لإمكان أن يتوب أو يغفر له الله بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة أو يعفو الله عنه أو غير ذلك، فهكذا الواحد من الملوك أو غير الملوك وإن كان صدر منه ما هو ظلم، فإن ذلك لا يوجب أن نلعنه ونشهد له بالنار، ومن دخل في ذلك كان من أهل البدع والضلال، فكيف إذا كان للرجل حسنات عظيمة يرجى له بها المغفرة مع ظلمه، كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول جيش يغزو قسطنطينية مغفور له ـ وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية وكان معه في الغزاة أبو أيوب الأنصاري وتوفي هناك وقبره هناك إلى الآن، ولهذا كان المقتصدون من أئمة السلف يقولون في يزيد وأمثاله: إنا لا نسبهم ولا نحبهم أي لا نحب ما صدر منهم من ظلم، والشخص الواحد يجتمع فيه حسنات وسيئات وطاعات ومعاص وبر وفجور وشر، فيثيبه الله على حسناته ويعاقبه على سيئاته إن شاء أو يغفر له، ويحب ما فعله من الخير ويبغض ما فعله من الشر. اهـ.
وبهذا التقرير يتبين الموقف الشرعي من عبدالملك والحجاج وغيرهم ممن له ظلم وفجور، وقد سبق أن تكلمنا عن الحجاج بن يوسف، في الفتوى رقم: 240271، وإحالاتها.
وأما عبدالملك بن مروان: فقد كان من العباد والفقهاء قبل أن يلي الخلافة، ثم صدر منه ما هو معلوم من ظلم، ويكفيه في ذلك ما فعله الحجاج، فإن الحجاج من ذنوب عبد الملك ـ كما قال الذهبي في ترجمة الأخير في السير ـ ولا ريب في أن خروجهم على عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ وقتلهم له، واستحلالهم لحرم الله، كل ذلك من عظائم الجرائم وراجع حول خلافة عبد الله بن الزبير الفتوى رقم: 185603 .
وعلى المسلم أن يستجلي الدروس والعبر من هذه الأحداث، مع التنبه إلى أن تاريخ بني أمية قد شوه كثيرا من قبل بعض أهل البدع الذين ناصبوهم العداء وسعوا في تشويه سيرتهم باختلاق الروايات المكذوبة والباطلة.
والله أعلم.