عنوان الفتوى : حول حديث :" أعظم النكاح بركة أيسره مئونة ".

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أود الحصول على توضيح حول هذا الحديث : ( أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ) ، فهل تشير كلمة "مَئُونَةً " إلى المهر فقط ؟ بمعنى أنه إذا كلما قلت قيمة المهر زادت البركة ؟ أم أنها تشير إلى جميع نفقات الزفاف ، بما في ذلك المهر ، وبطاقات الدعوة ، وقاعات زفاف والملابس والديكور؟ قد أتزوج قريبا ، وأنا شديدة القلق حيال هذه المسألة ، وأريد أن يكون زواجي مباركا ، وبفضل الله ورحمته، خفّضت النفقات من طرف عائلتي ، ولكن يعتريني خوف من أن يكون هناك مجال للإسراف ، وهدر المال ، حتى وإن كان الزواج يوما غير باقي الأيام ، حتى الدعوات سترسل عبر الإنترنت ، ومع ذلك فقد قامت عائلة زوجي المستقبلي بحجز قاعة ضخمة ، والدفع للقائم على الديكور ، الذي سيكون من ضمن مهامه تقسيم القاعة ، وطباعة عدد كبير من بطاقات الدعوة ، وهو ما يعتبر مبلغا ضخما ، فهل سينتج عن ذلك تفريط في البركة ؟ وإذا حدث أن خرج الرجال والنساء إلى فناء القاعة واختلطوا، فهل سأتحمل أنا وزوجي ذنب هذا الاختلاط ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.

أولا : من جهة إسناد الحديث .

فالحديث أخرجه أحمد في "مسنده" (24529) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (9229) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (16384) ، والحاكم في "المستدرك" (2732) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/186) ، جميعا من طريق حماد بن سلمة ، عن ابْنِ سَخْبَرَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً   ، وفي لفظ :  إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً  .

وقد اختُلف على حماد بن سلمة في تسمية ابن سخبرة ، فمرة يقال :" ابن سخبرة " ، ومرة يقال : " الطفيل بن سخبرة " ، ومرة يقال :" ابن الطفيل بن سخبرة " ، ومرة يقال :" عمر بن الطفيل بن سخبرة " .

وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (946) ، من طريق وكيع .

وأخرجه الخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/290) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين .

كلاهما ( وكيع ، وأبو نعيم ) عن موسى بن بكر أو موسى بن أبي بكر ، عن القاسم ، عن عائشة به .

وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (1530) ، من طريق مُوسَى بْن تَلِيدَانَ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عن القاسم ، عن عائشة به .

وأخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (123) ، من طريق عيسى بن ميمون ، عن القاسم ، عن عائشة به .

ولأجل الخلاف في تعيين الراوي عن القاسم اختلف أهل العلم في صحة الحديث .

فهناك من قال إن الراوي هو عيسى بن ميمون الواسطي ، وهو في الوقت نفسه ابن سخبرة ، وهو أيضا ابن تليدان ، وهو متروك الحديث ، ولذا ضعف الحديث ، ومن هؤلاء الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/255) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1117) .

ومنهم من قال إنه ليس عيسى بن ميمون الواسطي ، بل هناك اثنان باسم : " عيسى بن ميمون " ، أحدهما المتروك الذي يروي عن محمد بن كعب القرظي ، والثاني راوي هذا الحديث ، وهو الذي يقال له :" ابن تليدان " ، من آل أبي قحافة ، وهو الذي سماه حماد بن سلمة :" ابن سخبرة " ، وهو لا بأس به في الحديث .

وممن قال بذلك ابن معين ، وقواه الخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/298) .

قال ابن الجنيد في "سؤالاته" (125) :" سمعت يحيى بن معين يقول: " عيسى بن ميمون الذي يحدث عن القاسم عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:  أعظم النِّكاح بركةً أيسره مؤنة   يقال له: ابن تليدان ، وهو من آل أبي قحافة ، ليس به بأس ، وهو الذي يحدث عنه حماد بن سلمة قال: حدثني ابن سخبرة ، هو هذا ، ولم يرو هذا عن محمد بن كعب شيئاً .

والذي يحدث عن محمد بن كعب ليس بشيء " ، يعني: آخر يحدث عن محمد بن كعب ، ليس بشيء ". انتهى

والراجح قول ابن معين، ولذا قال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (1/386) إن إسناده جيد.

هذا وقد روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها بإسناد حسن لا إشكال فيه ، بلفظ :  إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا    .

أخرجه أحمد في "مسنده" (24478) ، وابن حبان كما في "موارد الظمآن" (1256) ، من طريق أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ به مرفوعا .

والحديث من هذا الوجه  جود إسناده السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص330) ، وحسنه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (6/238) رقم (1928) .

ثانيا : من جهة المعنى

أول ما يدخل في التيسير: هو المهر ، ويدل لذلك لفظ الحديث الحسن : (تيسير صداقها) .

قال ابن قدامة في "المغني" (7/212) :" وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُغْلِيَ الصَّدَاقَ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:  أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً ، أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً   انتهى.

وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (32/192) :" السُّنَّةُ: تَخْفِيفُ الصَّدَاقِ ، وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنَاتِهِ ، فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:( إنَّ أَعْظَمَ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ) انتهى.

بل لا يبعد أن يشمل ذلك أيضا : نفقة الرجل على زوجته طيلة حياتهما ، وعدم إرهاق الزوجة لزوجها بالنفقات؛ فكلما كان النكاح بعيدا عن السرف ، كان ذلك أرجى للبركة والخير فيه، وذلك لأن المؤونة هي الكلفة والنفقة .

قال ابن منظور في "لسان العرب" (13/425) :" ( مون ) مانَهُ يَمُونه مَوْناً: إِذا احتمل مؤونته ، وقام بكفايته ، فهو رجل مَمُونٌ. عن ابن السكيت . ومانَ الرجلُ أَهله يَمُونُهُمْ مَوْناً ومَؤُونةً كفاهم وأَنفق عليهم وعالهم ". انتهى.

ولأجل هذا ذكر أهل العلم أن التيسير يشمل المهر والنفقة .

قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/2049) :" ( أَيْسَرُهُ ) أَيْ: أَقَلُّهُ أَوْ أَسْهَلُهُ ( مُؤْنَةٌ ) أَيْ: مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْقَنَاعَةِ الَّتِي هِيَ كَنْزٌ لَا يَنْفَدُ وَلَا يَفْنَى ". انتهى.

وقال المناوي في "فيض القدير" (3/482):" ( خير النكاح أيسره ) أي أقله مؤونة ، وأسهله إجابة للخطبة ، يعني: أن ذلك يكون مما أذن فيه ، وعلامة الإذن التيسير .

ويستدل بذلك على يمن المرأة وعدم شؤمها ، لأن النكاح مندوب إليه جملة ، ويجب في حالة ، فينبغي الدخول فيه بيسر ، وخفة مؤونة ، لأنه ألفة بين الزوجين ، فيُقصد منه الخفة ، فإذا تيسر، عمت بركته ، ومن يُسْره: خفة صداقها ، وترك المغالاة فيه ، وكذا جميع متعلقات النكاح من وليمة ونحوها " انتهى.

وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (2/503) :" ( أيسرهن مؤنة ) من: مانه ، إذا كفاه ، كالمعونة من: عانه.

والمراد: أيسرهن مؤنة في الزواج، كما يرشد إليه حديث عقبة عند أبي داود: "خير النكاح أيسره" ، وحديث: " خير الصداق أيسره ".

ويحتمل: أيسرهن مؤنة، في داوم الصحبة بقناعتها، فلا تكلف زوجها ما لا يحتمله حاله ". انتهى.

ثالثا :

الإسراف: هو من الأمور النسبية ، فقد ينفق رجلان قدرا متساويا من المال ، ويكون إسرافا لأحدهما لكونه فقيرا ، ولا يكون للآخر إسرافا لكونه غنيا ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (137954) .

فينبغي أن يراعى هذا عند الحكم على إنفاقٍ ما: أنه إسراف ، أو ليس بإسراف.

رابعا :

على فرض أن ما تقوم به عائلة زوجكِ هو من الإسراف ، فإن ذلك لن يضركما إن شاء الله تعالى، ما دمتما قد قمتما بما يستطيعان، من تقليل المهر والنفقة بقدر الإمكان، ولم تطلبا ذلك الإسراف ، ولم ترضيا به ؛ ولا يعاقب أحد بذنب أحد وخطئه ، قال الله تعالى :  وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى  الأنعام/164 .

وأما اختلاط الرجال بالنساء في الأفراح : فهذا من المنكرات ، فيجب عليكما منعه بكل سبيل ، إن استطعتما ذلك ؛ فإن غلبكم الناس بعد بذل الجهد والطاقة : فليس عليكما وزر ، وإنما الوزر على من قارف الذنب ، وسهل حدوثه .

والله أعلم .