عنوان الفتوى : هل يشرع الدعاء أثناء الأذان؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قلت لأخي الدعاء أثناء الآذان مستجاب ، فهل ما قلته صحيح ؟ وهل ورد نص من السنة يدل على ذلك؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولا:

وردت أحاديث كثيرة في مشروعية الدعاء بعد الأذان ، فمنها : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ رواه مسلم (384)

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ  رواه أبو داود (521)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : "  أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   قُلْ كَمَا يَقُولُونَ ؛ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ ؛ تُعْطَهْ   .

رواه أبو داود (524)، وصححه الألباني.

وهذا الحديث الأخير صريح في أن الدعاء يكون بعد الأذان ، ولذلك اقتصر بعض العلماء على هذا ، ولم يذكروا الدعاء أثناء الأذان .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم الدعاء أثناء الأذان؟

فأجاب : " متابعة المؤذن وإجابته أفضل من الدعاء، فإذا قال الله أكبر فقل الله أكبر، وإذا قال أشهد أن لا اله إلا الله فقل أشهد أن لا اله إلا الله ...

وهذا أفضل من الدعاء وأفضل من قراءة القرآن، لأنه ذكر خاص يفوت بفوات وقته، ولكن إذا فرغ المؤذن فقل: (اللهم صلِّ على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) ثم ادعُ الله تعالى بما شئت، فإن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد "

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (24/ 2) بترقيم الشاملة .

ثانيا:

ورد في بعض الأحاديث ما يفيد بظاهره أن الدعاء يستجاب أيضا أثناء الأذان، فروى الحاكم (2004)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  إِذَا نَادَى الْمُنَادِي فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ   وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (803)

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَقَلَّ داعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ: 

حين يَحْضُرُ النِّدَاءُ، وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " . 

رواه البخاري في "الأدب المفرد" (661)، وصححه الألباني

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا .

رواه أبو داود (2540)، وصححه الألباني.

فمن العلماء من حمل هذه الأحاديث على الدعاء بعد الأذان ، كالنووي رحمه الله ، فإنه لم يذكر في كتابه "الأذكار" أن الدعاء مستحب حين الأذان ، وإنما اقتصر على استحباب الدعاء بعد الأذان ، فإنه ترجم "باب الدعاء بعد الأذان" وذكر بعض الأحاديث المتقدمة ، وذكر معها حديث سهل بن سعد رضي الله عنه التالي .

وأورد البيهقي في "سننه" (1/ 604)، حديث سهل بن سعد المتقدم في : " بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ".

ومن العلماء من اكتفى بذكر احتمالها للمعنيين .

قال القاري في قوله في حديث سهل بن سعد : (الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ) :

" أَيْ: حِينَ الْأَذَانِ، أَوْ بَعْدَهُ " انتهى  من"مرقاة المفاتيح" (2/ 570)

وقال ابن علان في "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" (2/138) في شرحه لحديث سهل بن سعد : "قوله : (عند النداء) .. يحتمل أن تكون (عند) بمعنى (بعد) ؛ أخذا من الأحاديث المذكورة آنفا .

وأن تكون على حالها ، وتكون هذه الرواية مفيدة ما لم تفده تلك ، من استجابة الدعاء المقارن له ، وأثناءه أيضا .

لكن ظاهر إيراد المصنف [يعني : النووي رحمه الله] الخبر في هذا الباب : أن (عند) ، بمعنى (بعد) " انتهى .

وما دل عليه ظاهر هذه الأحاديث هو ظاهر كلام كثير من العلماء .

قَالَ عَطَاءٌ: " عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ ، وَالْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ ، وَالْأَذَانِ : يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ ".

انتهى من "التمهيد" (21/ 140) .

وقال البهوتي رحمه الله:

" وَيَتَحَرَّى أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ، هِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَعِنْد الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، وَأَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ، وَآخِرَ سَاعَةٍ بَعْد الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " انتهى من"كشاف القناع" (1/ 368) .

وقد نص بعض العلماء صراحةً على استحباب الدعاء عند سماع الأذان ، وجعل هذا وقتا آخر لاستحباب الدعاء غير استحبابه بعد الأذان .

فقد ترجم ابن المنذر رحمه الله في "الأوسط" (3/171) : ذِكر استحباب الدعاء عند الأذان . وذكر حديث سهل بن سعد المتقدم .

ثم ترجم (3/173) : باب ذكر استحباب الدعاء بين الأذان والإقامة ، وذكر حديث أنس المتقدم مرفوعا : (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة) .

وهكذا فعل الشيخ عبد الله البسام في كتابه "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (7/556) .

وينظر جواب السؤال رقم : (5666) .

والخلاصة

أن الدعاء مشروع أثناء الأذان وبعده ، وإن كانت الأحاديث في الدعاء بعده : أصرح ، وأكثر، وأصح.

وينبغي لمن دعا أثناء الأذان أن لا يشغله ذلك عن الترديد خلف المؤذن؛ فلو تزاحم الأمران ، ولم يمكنه الدعاء ، مع ترديد الأذان، قدم ترديد الأذان خلف المؤذن ، لأنه يفوت ، وأما الدعاء : فيمكنه استدراكه بعد انتهاء المؤذن.

والله أعلم .