عنوان الفتوى : شرح حديث: (كسرها طلاقها) وبيان ألا معرة فيه على المرأة وما فيه من الوصية بها والتماس العذر لها
وكسرها طلاقها قالها رسول الله صل الله عليه وسلم ، وإذا يعطي الرجل نصر دائما في كل ظروف الحياة ، ويشعر أنه لا يصيبه معرة أبدا مما يفعل ، حاشا أن اعترض على كلام حبيبنا محمد ، وانما أود أن أفهم ما وراء الحديث مما يؤكد للجميع أن المرأة المطلقه مكسورة ، حتي ولو ضحت بالكثير ، وحتي ولو لم تكن أخطأت ، بل هي طلقت لأن سيل الإهانة وعدم الاحترام قد وصل مداه ، وضاق بها ذرعا ، أرجو التوضيح .
الحمد لله
روى البخاري (3331) ، ومسلم (1468) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ .
وروى مسلم (1468) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا .
هذا الحديث فيه الوصية بالنساء، والصبر عليهن، والإخبار أن المرأة فيها عوج من أصل الخلقة، لأن حواء خلقت من ضلع من ضلوع آدم عليه السلام، والضلع فيه عوج بطبيعة الحال، فلابد من مراعاة طبيعتها ، وأصل خلقتها ، وما جبلت عليه ، والسعي في استصلاحها برفق وتؤدة ، ، مع الإحسان إليها ، وتلمّس العذر لها ؛ إن كان الرجل يريد أن يستمتع بها .
فإن أصر على تقويمها ، وإزالة العوج منها بالكلية : فإن ذلك لا يكون، بل يؤدي إلى طلاقها . وفي هذا تنفير من العنف في معاشرة المرأة ، والغلو في أمر استصلاحها ، وبيان أن من مفاسد ذلك : وقوع الطلاق؛ وهو ، خلاف ما أراد الله من السكينة والوفاق.
وقد جاء هذا المعنى موضحا فيما رواه أحمد (20093) ، والحاكم (7333) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَة الضِّلَعِ تَكْسِرْهَا ، فَدَارِهَا ؛ تَعِشْ بِهَا وصححه محققو المسند، والألباني في "صحيح الجامع" (1944).
وليس في الحديث معرة على المرأة، بأن الطلاق كسر لها، بل المراد أن الضلع المنحني، إن أراد الإنسان أن يقوّمه ، كسره، فكذلك المرأة إذا أراد الرجل أن يجعلها على استقامة تامة، لم يمكن ذلك، وسينفر منها، ويطلقها، ففي هذا التماس العذر لها، والحث على الصبر عليها.
وليس فيه نصر للرجل كما فهمت، بل فيه تنبيه على مراعاة طبائع الأشياء ، والحكمة والتؤدة ، وحسن التأتي في العشرة مع الزوجة ؛ فإن كسر المرأة أو تطليقها قد يكون فيه الرجل آثما ظالما، وقد يكون محقا، لكنه سيفوّت على نفسه الاستمتاع .
وبكل حال ؛ فالطلاق تعتريه الأحكام، فقد يجب، وقد يحرم، وقد يندب أو يكره أو يباح.
وينظر: جواب السؤال رقم : (111881) .
وقد يكون الطلاق مخرجا ورحمة ونعمة للمرأة ، لتتخلص من رجل يظلمها ، ويسيء عشرتها، ولهذا قال الله: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا النساء/130 .
فلله الحمد على ما شرع وأحسن وأحكم.
ونحن نسوق هنا من كلام العلماء الذين شرحوا الحديث ما يبين ما ذكرناه من معناه .
1-قال القاضي عياض رحمه الله: "وقوله: (استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج) الحديث: فيه الحض على الرفق بهن، ومداراتهن، وألا يتقصّى عليهن فى أخلاقهن، وانحراف طباعهن، لقوله: (إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته استمتعت به)" انتهى من "إكمال المعلم" (4/ 680).
2-وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(6/ 368): "قوله: (خلقت من ضِلَع) قيل : فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر ، وقيل : من ضلعه القصير أخرجه ابن إسحاق، وزاد: اليسرى، من قبل أن يدخل الجنة ، وجعل مكانه لحم. ومعنى خلقت: أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة...
وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فلا ينكر اعوجاجها، أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم، كما أن الضِّلع لا يقبله.
قوله: (فإن ذهبت تقيمه كسرته) قيل هو ضرب مثل للطلاق، أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقهاـ ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم: (وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها)" انتهى باختصار.
وقال أيضا (9/ 254): "قوله: (بالنساء خيرا) كأن فيه رمزا إلى التقويم برفق، بحيث لا يبالغ فيه فيكسر، ولا يتركه فيستمر على عوجه، وإلى هذا أشار المؤلف بإتباعه بالترجمة التي بعده باب: (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) فيؤخذ منه : أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص، إلى تعاطي المعصية بمباشرتها ، أو ترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة.
وفي الحديث : الندب إلى المداراة، لاستمالة النفوس وتألف القلوب .
وفيه : سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ، ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها" انتهى.
3- وقال المناوي في "التيسير شرح الجامع الصغير" (1/ 300): "(إن الْمَرْأَة خلقت من ضلع) - بِفَتْح اللَّام على الْأَشْهر، وَقد تسكن - (وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها) ؛ فإن ترد إقامة الْمَرْأَة تكسرها ، وَكسرهَا طَلاقهَا ؛ (فدارِها) - من المداراة - (تعش بهَا) ؛ أي : لاطِفْها ، ولايِنْها ؛ فبذلك تبلغ مرامك مِنْهَا ، من الِاسْتِمْتَاع ، وَحسن الْعشْرَة الَّذِي هُوَ أهم الْمَعيشَة" انتهى.
وقال في "فيض القدير" (2/ 388): "(وكسرها) هو (طلاقها) ؛ إشعارا باستحالة تقويمها ، أي : إن كان لا بد من الكسر ، فكسرها طلاقها، وهذا حث على الرفق بالنساء، والصبر على عوجهن، وتحمل ضعف عقولهن، وأنه لا مطمع في استقامتهن...
وفيه: إشعار بكراهة الطلاق بلا سبب شرعي.
والمداراة ، كما في المصباح وغيره: الملاطفة والملاينة، يقال: داريته مداراة، لاطفته ولاينته، وعليك بالمداراة وهي الملاطفة" انتهى.
4-وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (3/ 116) : "(استوصوا بالنساء خيراً) يعني: اقبلوا هذه الوصية التي أوصيكم بها، وذلك أن تفعلوا خيراً مع النساء؛ لأن النساء قاصرات في العقول، وقاصرات في الدين، وقاصرات في التفكير، وقاصرات في جميع شئونهن، فإنهن خلقن من ضِلع.
وذلك أن آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله من غير أب ولا أم، بل خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون، ولما أراد الله تعالى أن يبث منه هذه الخليقة، خلق منه زوجه، فخلقها من ضلعه الأعوج، فخلقت من الضلع الأعوج، والضلع الأعوج إن استمتعت به ، استمتعت به وفيه العوج، وإن ذهبت تقيمه ، انكسر.
فهذه المرأة أيضاً : إن استمتع بها الإنسان ، استمتع بها على عوج، فيرضى بما تيسر، وإن أراد أن تستقيم، فإنها لن تستقيم، ولن يتمكن من ذلك، فهي وإن استقامت في دينها فلن تستقيم فيما تقتضيه طبيعتها، ولا تكون لزوجها على ما يريد في كل شيء، بل لابد من مخالفة، ولابد من تقصير، مع القصور الذي فيها.
فهي قاصرة بمقتضى جبلتها وطبيعتها، ومقصرة أيضاً، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها .
.. معناه : أنك إن حاولت أن تستقيم لك على ما تريد ، فلا يمكن ذلك، وحينئذ تسأم منها وتطلقها، فكسرها طلاقها.
وفي هذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاشرة الإنسان لأهله، وأنه ينبغي أن يأخذ منهم العفو، وما تيسر، كما قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ) ؛ يعني : ما عفا وسهُل من أخلاق الناس (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199] .
ولا يمكن أن تجد امرأة ، مهما كان الأمر ، سالمة من العيب مائة بالمائة، أو مواتية للزوج مائة بالمائة، ولكن ، كما أرشد النبي عليه الصلاة والسلام ، استمتع بها على ما فيها من العوج.
وأيضاً : إن كرهت منها خلقاً رضيت منها خلقاً آخر، فقابل هذا بهذا مع الصبر، وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19] " انتهى.
والحاصل :
أن هذا الحديث العظيم فيه الوصية بالمرأة، والإخبار عن عذرها فيما يعتريها من العوج، والدعوة إلى الصبر عليها، ومداراتها، والإحسان إليها، وبيان أنه لا سبيل إلى استقامتها التامة.
وإذا علم الرجل هذا ، هان عليه الأمر، وقبل منها ما تيسر، ونظر إلى جميل ما عندها، واغتفر لها تقصيرها" انتهى .
والله أعلم.