عنوان الفتوى : أمية النبي عليه الصلاة والسلام بين النافين والمثبتين
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أميا في بداية نزول الوحي عليه ثم تعلم القراءة والكتابة فلماذا نقول دائما إن الرسول أمي ونفخر بذلك، فهل تخشون أن نقول إنه ربما نشك أنه كتب القرآن أنا لا أظن إطلاقا أن الرسول أمي لا يعرف القراءة أو الكتابة لقد علم الرسل الأنبياء فهل وقف الأمر عند الرسول محمد عليه أفضل السلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لقد بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أمِّيًّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].
وكونه عليه الصلاة والسلام أمِّيًّا يعد معجزة من معجزاته الدالة على صدقه، وأن ما جاء به من عند الله تعالى لا من عند نفسه، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].
وقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].
ولو كان عليه الصلاة والسلام قارئاً كاتبًا لادَّعى المشركون أن ما جاء به من اختراعه ومن بنيات أفكاره.
وقد اختلف أهل العلم - رحمهم الله - هل تعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أو لا ؟ فمنهم من قال: إنه تعلَّم ذلك، فذكر القرطبي في تفسيره نقلاً عن النقاش في تفسيره عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلى عليه وسلم حتى كتب. ، وأسند أيضا حديث أبي كبشة السلولي مضمنه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ صحيفة لـ عيينه بن حصن وأخبر بمعناها، وضعَّف ذلك ابن عطية.
واستدلوا أيضا بما رواه مسلم من حديث البراء في صلح الحديبية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عليٍّ : اكْتُبِ الشّرْطَ بَيْنَنَا. بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا مَا قَاضَىَ عَلَيْهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ" فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنّكَ رَسُولُ اللّهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. فَأَمَرَ عَلِيّاً أَنْ يَمْحَاهَا. فَقَالَ عَلِيّ: لاَ، وَاللّهِ! لاَ أَمْحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرِنِي مَكَانَهَا" فَأَرَاهُ مَكَانَهَا، فَمَحَاهَا.
وَكَتَبَ "ابْنُ عَبْدِ اللّهِ.
قالوا: وقد رواه البخاري بأظهر من هذا فقال: فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب. ، وزاد في طريق أخرى: ولا يحسن أن يكتب. فقال جماعة من العلماء: بجواز ذلك عليه وأنه كتب بيده. منهم السمناني والباجي ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أمِّيًّا ولا معارضاً لقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48]، ولا بقوله ": إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. بل رأوه زيادة في معجزاته واستظهارا على صدقه وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاطٍ لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قرأها، فكان ذلك خارقاً للعادة، كما أنه عليه السلام عَلِمَ عِلْمَ الأولين والآخرين من غير اكتساب ولا تعلُّم، فكان ذلك أبلغ في معجزاته وأعظم في فضائله ولا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ولا يحسن أن يكتب. فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال: كتب.
وقال بعض أهل العلم: إنه صلى الله عليه وسلم ما كتب ولا حرفاً واحداً، وإنما أمر من يكتب، وكذلك ما قرأ ولا تهجَّى.
قالوا: وكتابته مناقضه لكونه أمِّيًّا لا يكتب، ونكونه أمِّيًّا في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحدون وانحسمت الشبهة، فكيف يُطلِقُ الله تعالى يده فيكتب وتكون آية؟ وإنما الآية ألاَّ يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضاً، وإنما معنى كتب وأخذ القلم: أي أمر من يكتب به من كتابه، وكان من كتبة الوحي بين يديه صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون كاتباً.
ورجَّح هذا القول القرطبي في تفسيره. وعلى كلا القولين فوصفه بالأمِّيِّ لكونه من معجزاته عليه الصلاة والسلام، فإن لم يكن كتب فالأمِّيَّة وصف ملازم له عليه الصلاة والسلام حتى مات، وإن كان كتب فوصفه بالأمِّيِّ باعتبار ما كان ويبقى متصفاً بهذا الوصف لكونه من معجزاته الباهرة، ولكونه بُعثَ في أمةٍ أميةٍ لا تقرأُ ولا تكتبُ، فناسب أن يكون أمِّيًّا مثلهم لتقطع الشبهة.
والله أعلم.