عنوان الفتوى : عقوبة عصابات الخطف والسطو والقتل والقرصنة
ما عقوبة خطف المسلم وتهديده بالسلاح وأخذ ماله قهرا؟ وهل يمكن إدخاله في الفساد الذي حددت الآية الكريمة عقوبته: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا " إلى آخر الآية الكريمة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان هذا الفعل يدخل في الحرابة والإفساد ويعاقب الإمام فاعله بما في آية الحرابة، إن كان حصل بمكان بعيد كالصحراء، واختلف فيما لو حصل بالمدينة بحيث لا يوجد مغيث أو لا تمكن الاستغاثة، فذهب المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى أن هذا من الحرابة وهذا هو الراجح، خلافا للحنفية وبعض الحنابلة، فقد قال البرادعي المالكي في التهذيب في اختصار المدونة (4/ 435): ومن كابر رجلاً بسلاح أو غيره على مال له في زقاق، أو دخل عليه حريمه في المصر، حكم عليه بحكم الحرابة. اهـ
وفي الموسوعة الفقهية: ذهب المالكية والشافعية وهو رأي أبي يوسف من الحنفية وكثير من أصحاب أحمد إلى أنه لا يشترط البعد عن العمران وإنما يشترط فقد الغوث، ولفقد الغوث أسباب كثيرة, ولا ينحصر في البعد عن العمران، فقد يكون للبعد عن العمران أو السلطان، وقد يكون لضعف أهل العمران, أو لضعف السلطان، فإن دخل قوم بيتا وشهروا السلاح ومنعوا أهل البيت من الاستغاثة فهم قطاع طرق في حقهم، واستدل الجمهور بعموم آية المحاربة, ولأن ذلك إذا وجد في العمران والأمصار والقرى كان أعظم خوفا وأكثر ضررا, فكان أولى بحد الحرابة، وذهب الحنفية وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط البعد عن العمران، فإن حصل منهم الإرعاب وأخذ المال في القرى والأمصار فليسوا بمحاربين, وقالوا: لأن الواجب يسمى حد قطاع الطرق, وقطع الطريق إنما هو في الصحراء, ولأن من في القرى والأمصار يلحقه الغوث غالبا فتذهب شوكة المعتدين, ويكونون مختلسين وهو ليس بقاطع, ولا حد عليه. اهـ
وقال الشربيني في مغني المحتاج: وقطع الطريق هو البروز لأخذ مال أو لقتل أو إرعاب مكابرة اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث... (وفقد الغوث يكون للبعد) عن العمران وعساكر السلطان (أو) للقرب لكن (لضعف) في السلطان كذا قيده في المحرر والشرح والروضة, واستحسن إطلاق المنهاج الضعف لشموله ما لو دخل جماعة دارا ليلا وشهروا السلاح ومنعوا أهل الدار من الاستغاثة فهم قطاع على الصحيح مع قوة السلطان وحضوره، (و) ذوو الشوكة (قد يغلبون والحالة هذه) أي: ضعف السلطان أو بعده أو بعد أعوانه وإن كانوا (في بلد) لم يخرجوا منها إلى طرفها ولا إلى صحراء (فهم قطاع) لوجود الشروط فيهم، ولأنهم إذا وجب عليهم هذا الحد في الصحراء وهي موضع الخوف فلأن يجب في البلد وهي موضع الأمن أولى لعظم جراءتهم. اهـ
وفي فقه السنة لسيد سابق: ويدخل في مفهوم الحرابة العصابات المختلفة، كعصابة القتل، وعصابة خطف الأطفال، وعصابة اللصوص للسطو على البيوت، والبنوك، وعصابة خطف البنات والعذارى للفجور بهن، وعصابة اغتيال الحكام ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن، وعصابة إتلاف الزروع وقتل المواشي والدواب. انتهى.
ولمجلس هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز قرار في هذا الشأن، جاء فيه: إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار؛ كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى... اهـ.
وفي شرح زاد المستقنع للعلامة الشنقيطي: والعلماء متفقون على أنها لو وقعت في الصحراء خارج المدن وكانت على مسافة بحيث لو صرخ الصارخ لا يسمعه أحد، ولا يمكن نجاته أو استغاثته فإنها حرابة، سواء كانت في البر أو البحر، مثل القرصنة البحرية بالاعتداء على السفن والبواخر التجارية واختطافها، أو أخذ ما فيها تحت وطأة السلاح، فكل هذا حرابة، وظاهر كلام المصنف ـ رحمه الله ـ أنه لا يشترط أن تكون في الصحراء وهذا هو الصحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى عمم في الآية الكريمة ولم يخص الحكم بالصحراء... ومن هنا: يقوى القول بأن الحكم لا يختص بالصحراء، وبناءً عليه؛ فالاعتداء على الأموال في البنيان والمدن، والاعتداء على الأعراض والأنفس، وتخويف الناس داخل المدن جهاراً بحمل السلاح كله حرابة.
مثلاً: لو أن جماعة هجموا على محل تجاري، وأشهر أحدهم السلاح وقام الآخر بأخذ المال من الخزنة، أو أخذ الأموال من الدواليب ونحوها كما في المجوهرات ونحوها، فهي حرابة، لكن لا بد أن يكون هذا العمل أمام الناس، وذلك كما تفعل بعض العصابات التي تأتي وتدخل في وضح النهار إلى المحل وتمارس هذا العمل، فهذا حرابة، وينطبق عليها حكم المحارب، سواء كانوا جماعة أو أفراداً، يدخل الفرد المحل التجاري ويضع سلاحه على من عند الصندوق، ويقول له: أخرج لي المال، فهذا التهديد فيه إشهار السلاح، وثانياً: أنه جهرة ولم يكن سراً، فحينئذٍ نحكم بكونه حرابة مع أنه داخل المدينة؛ لأنه وقع على ملأ، وحصل به تخويف الناس، وحصل به المحاربة لجماعة المسلمين وأفرادهم، وحينئذٍ يصدق عليه أنه حرابة.
كذلك أيضاً: لو أن جماعة أو عصابة هجمت على رجل في بيته بقصد الاعتداء على عرضه والعياذ بالله، فأشهر أحدهم السلاح، وقام الآخرون بفعل الجريمة، أو قام بعضهم بالزنا والعياذ بالله، أو الاعتداء على الرجال أو الأطفال القصّر، فهذه حرابة ولو كانت داخل البيت؛ فقد نص العلماء على أنه يأخذ حكم الحرابة، وهذا في الاعتداء على الأعراض... اهـ
والله أعلم.