عنوان الفتوى : حكم قبول هدية المشرك الوثني
هل يجوز قبول الهدية من زميل في العمل ليس له أي ديانة ( صيني الجنسية) ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وقع الخلاف بين العلماء في هدية المشرك هل تقبل أم لا؟ على عدة أقوال، وسبب اختلافهم في ذلك: وجود أحاديث تدل على جواز أخذ الهدية منهم، ووجود أخرى تمنع من ذلك، ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري في صحيحه وغيره عن أبي حميد قال: وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه برداً، وكتب له ببحرهم...
وقد كان نصرانياًّ واسمه يوحنا بن رؤبة كما في عون المعبود شرح سنن أبي داود كتاب الخراج.
وما رواه البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها.
ومن الأحاديث الصحيحة في المنع حديث عياض بن حمار قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال: أسلمت ؟ قلت: لا. قال: إني نهيت عن زبد المشركين. رواه أبو داود وأحمد والترمذي وقال عنه: حسن صحيح، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذه الأحاديث المجيزة والمانعة فقال: قوله: "باب قبول الهدية من المشركين": أي جواز ذلك، وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك، وهو ما أخرجه موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم: أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فأهدى له، فقال: إني لا أقبل هدية مشرك. الحديث رجاله ثقات إلا أنه مرسل، وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح.
وفي الباب حديث عياض بن حمار أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال: أسلمت ؟ قلت: لا. قال: إني نهيت عن زبد المشركين والزبد بفتح الزاي وسكون الموحدة: الرفد. صححه الترمذي وابن خزيمة.
وأورد المصنف عدة أحاديث دالة على الجواز، فجمع بينها الطبري بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة، والقبول فيما أهدي للمسلمين، وفيه نظر؛ لأن من جملة أدلة الجواز: ما وقعت الهدية فيه له خاصة، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة، والقبول في حق من يرجى بذلك تأليفه على الإسلام، وهذا أقوى من الأول.
وقيل: يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب، والرد على من كان من أهل الأوثان.
وقيل: يمتنع ذلك لغيره من الأمراء، وأن ذلك من خصائصه.
ومنهم من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم من عكس.
وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة، فالنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص. انتهى. انظر في فتح الباري (5/284 - 283 - 284) كتاب الهبة.
وممن قال بنسخ أحاديث المنع بأحاديث القبول ابن حزم، انظر المحلى (8/121) مسألة رقم 1641 كتاب الهبات.
وممن قال بقبول هدية الكتابي ورد هدية الوثني ابن القيم . انظر إعلام الموقعين(4/254).
وعقَّب المباركفوري على كلام الحافظ ابن حجر فقال: قلت: يدل على قول من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ما رواه أحمد عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة ابنة عبد العزيز بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا: ضباب، وأقط، وسمن، وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].
فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها، كذا في المنتقى.
ولا يبعد أن يقال: إن الأصل هو عدم جواز قبول هدايا المشركين، لكن إذا كانت في قبول هداياهم مصلحة عامة أو خاصة فيجوز قبولها. والله أعلم.
وبعد هذا التطواف السريع نقول: لا يمكن القول بالنسخ إلا بعد العلم بالتاريخ، فينسخ المتأخر المتقدم بشروط النسخ المعروفة في أصول الفقه.
وأما بخصوص الراجح في هذه المسألة فنقول للسائل الكريم: إن الأحوط هو عدم قبول هدايا المشركين إلا إذا كانت هناك مصلحة كتأليفهم إلى الإسلام والرغبة في هدايتهم، أما إذا لم تكن هناك مصلحة فلا، وكذلك إذا ما كانت هدية المشرك يريد بها فتنة المسلم أو تنازله عن شيء من دينه فلا يجوز قبولها، وبناء على ما تقدم فلا تقبل هدية هذا الصيني إلا إذا كانت هناك مصلحة من نوع ما تقدم.
والله أعلم.