عنوان الفتوى : حكم استعمال زيوت تحتوي على شحم الخنزير في تصنيع الحديد
ما الحكم في استخدام زيوت صناعية في عملية تصنيع الحديد ، ويدخل شحم الخنزير كأحد مكوناتها ؛ وذلك لقدرته العالية في عملية التشحيم أثناء القطع وأثناء الدرفلة؟
الحمد لله.
الاجابة
أولا:
شحم الخنزير نجس باتفاق العلماء .
لكن يجوز الانتفاع به في غير الأكل على الراجح، كالاستصباح به أي جعله زيتا في المصابيح، وطلاء الجلود والسفن به؛ لما روى البخاري (2082) ومسلم (2960) من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ : (لَا هُوَ حَرَامٌ) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: ( قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ ).
فالضمير في قوله: (لَا هُوَ حَرَامٌ) للبيع، أي لا يجوز بيع شحوم الميتة، ودل هذا على جواز الانتفاع بما ذكر دون بيع.
قال الصنعاني رحمه الله: " والضمير في قوله (هو حرام) يحتمل أنه للبيع ، أي : بيع الشحوم حرام ، وهذا هو الأظهر ؛ لأن الكلام مسوق له ؛ ولأنه قد أخرج الحديث أحمد وفيه " فما ترى في بيع شحوم الميتة " الحديث .
ويحتمل أنه للانتفاع المدلول عليه بقوله " فإنها تطلى بها السفن " إلى آخره. وحمله الأكثر عليه، فقالوا : لا ينتفع من الميتة بشيء إلا بجلدها إذا دبغ.
ومن قال : الضمير يعود إلى البيع : استدل بالإجماع على جواز إطعام الميتة الكلاب ، ولو كانت كلاب الصيد لمن ينتفع بها .
وقد عرفت أن الأقرب عود الضمير إلى البيع ، فيجوز الانتفاع بالنجس مطلقاً ، ويحرم بيعه ؛ لما عرفت .
وقد يزيده قوة قوله في ذم اليهود إنهم جملوا الشحم ، ثم باعوه وأكلوا ثمنه ؛ فإنه ظاهر في توجه النهي إلى البيع الذي ترتب عليه أكل الثمن، وإذا كان التحريم للبيع جاز الانتفاع بشحوم الميتة والأدهان المتنجسة في كل شيء غير أكل الآدمي ودهن بدنه ( أي لا يجوز للآدمي أكل شحوم الميتة والأدهان بالأدهان المتنجسة ) فيحرمان كحرمة أكل الميتة والترطب بالنجاسة، وجاز إطعام شحوم الميتة الكلاب وإطعام العسل المتنجس النحل وإطعامه الدواب، وجوز جميع ذلك مذهب الشافعي ونقله القاضي عياض عن مالك وأكثر أصحابه وأبى حنيفة وأصحابه والليث...
وفي الحديث : دليل على أنه إذا حرُم بيعُ شيءٍ حرُم ثمنُه ، وأن كل حيلة يتوصل بها إلى تحليل محرم فهي باطلة " انتهى من " سبل السلام " ( 3 / 6 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع ( 8 / 136 ): " وهذا القول هو الصحيح: أن الضمير في قوله : ( هو حرام ) يعود على البيع حتى مع هذه الانتفاعات التي عددها الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك لأن المقام عن الحديث في البيع .
وقيل : هو حرام ، يعني الانتفاع بها في هذه الوجوه ، فلا يجوز أن تُطلى بها السفن ، ولا أن تدهن بها الجلود ، ولا أن يستصبح بها الناس ، ولكن هذا القول ضعيف .
والصحيح : أنه يجوز أن تطلى بها السفن ، وتدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس" انتهى.
وعليه ؛ فيجوز الانتفاع بشحم الخنزير في صناعة الحديد، بشرط ألا يباع هذا الشحم ولا يشترى؛ لأنه ليس مالا شرعا، فلا يصح بيعه، وللحديث السابق ، فإنه في النهي عن بيع الشحم كما تقدم.
وحينئذ ، يتم الاستعاضة عنه بغيره ، مما يقوم مقامه في ذلك المقصد .
ثانيا:
إذا كان شحم الخنزير تجري عليه إضافات وتفاعلات تذهب بصفاته، من الرائحة واللون والطعم، وهو ما يسمى بالاستحالة، فلا حرج في بيعه والانتفاع به؛ لأن الاستحالة مطهرة مبيحة.
وكذا لو كان نسبة قليلة مستهلكة في غيره من الزيوت، بحيث لا يظهر أثره ولا شيء من صفاته في الخليط.
وينظر ما جاء في " توصيات ندوة الرؤية الإسلامية لبعض المشاكل الطبية" بشأن الاستحالة والاستهلاك، في جواب السؤال رقم (102749) ورقم (248124).
والله أعلم.