عنوان الفتوى : حكم تطويل الاعتدال بعد الركوع مع قصر القراءة
هل تبطل الصلاة بإطالة الدعاء بعد الرفع من الركوع بقدر ما كان قبل الركوع أو زاد عليه؟ حيث كنت أصلي المغرب بقراءة الفاتحة فقط لتدارك الصلاة، ولكن كنت بعد الرفع من الركوع أقول الدعاء كاملًا، الذي هو: (الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شَيْءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد) تلقائيًّا، فهل تلزمني إعادة الصلاة لذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا تبطل الصلاة بإطالة القيام بعد الرفع من الركوع، وقد روى البخاري في صحيحه من حديث ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ. اهـ. وفي رواية ابن حبان في صحيحه: فإذا رفع رأسه من الركوع، قلنا: "قد نسي" من طول القيام. اهـ.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ طُولَهُمَا يَنْفِي الْمُوَالَاةَ، وَمَا أَدْرِي مَا يَكُونُ جَوَابُهُ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ؟! ... وَعَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: { أَنَّهُ كَانَ رُكُوعُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ } وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: " وَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ... " الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: { كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ } قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ طَوِيلٌ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ نَصٌّ فِيهِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِدَلِيلٍ ضَعِيفٍ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَمْ يُسَنَّ فِيهِ تَكْرِيرُ التَّسْبِيحَاتِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، فَهُوَ فَاسِدٌ. انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ أَذْكَارٍ فِي الِاعْتِدَالِ أَكْثَرَ مِنْ التَّسْبِيحِ الْمَشْرُوعِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا تَقَدَّمَ ... وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ طُولَهُمَا يَنْفِي الْمُوَالَاةَ: فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ فَصْلٌ طَوِيلٌ بَيْنَ الْأَرْكَانِ مِمَّا لَيْسَ فِيهَا وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لَا يَصِحُّ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْهَا، وَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ هَذِهِ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ ... اهـ. مختصرًا.
وجاء في حديث حذيفة -رضي الله عنه- في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل أنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة، ثم ركع، وفيه: " فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ " رواه مسلم
وقد قوى الإمام النووي في المجموع جواز تطويل الاعتدال بعد الركوع استدلالًا بهذا الحديث، وقال: وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ إطَالَةِ الِاعْتِدَالِ بِالذِّكْرِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ صَعْبٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْإِطَالَةَ، فَالْأَقْوَى جَوَازُهَا بِالذِّكْرِ ... اهـ.
ولا حرج في هذه الإطالة ولو مع قصر القراءة.
والله تعالى أعلم.