عنوان الفتوى : حول شبهة في حديث المعازف أن المحرم هو الجمع بين المعازف والخمر والزنى

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يمكن أن نفهم حديث المعازف بهذه الطريقة : أن المعازف حرام ، طالما اجتمعت مع الزنى والخمر والحرير ، وهي في صورة الملاهي الليلية في عصرنا الحالي ، طالما أنه هناك حرف الواو بين الحرى والحرير والخمر والمعازف ، وبالتالي يمكن فهم الحديث على وجهٍ آخر ؟ كأن أقول أكلت تفاحة وموزة فلا تستطيع الجزم أن كنت أكلتها معا أم فرادا ، لأني لم لأجد بعد البحث المضني على اليوتيوب رداً على من يستدل بحلية المعازف بهذا الإستدلال ، وبالتالي فإنه يجوز سماع الموسيقى التصويرية دون أي فيديو كليب مجرد أصوات غير ماجنه في لحنها تحفز على الرياضة ... إلخ ؟

مدة قراءة الإجابة : 15 دقائق

الحمد لله

أهل العلم هم حراس الشريعة ، نذروا حياتهم دفاعا عن هذا الدين من اللصوص المتسورين على أسواره .

وما من شبهة ألقاها أهل الأهواء قديما وحديثا إلا وقد فندها وأبطلها هؤلاء الجهابذة ، ولكن أكثر الناس لا يقرأون ولا يتعلمون .

وبداية قبل الرد على هذه الشبهة الباطلة نريد أن نقول :

أولا :

إن المعازف قد صح في النهي عن سماعها عدة أحاديث ، وتوالت فيها المصنفات ، واتفق جماهير أهل العلم على حرمة سماعها ، حتى نقل الإجماع على تحريمها في الجملة، على خلاف بينهم في الدف في الأعراس ونحو ذلك .

قال ابن الصلاح في "أدب المفتي والمستفتي" (2/500) :" فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت : فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين ، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والخلاف : أنه أباح هذا السماع ". انتهى

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (11/576) :" ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ كُلَّهَا حَرَامٌ ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْحَرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يُمْسَخُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ . و " الْمَعَازِفُ " هِيَ الْمَلَاهِي كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ ". انتهى

وقال ابن رجب في "فتح الباري" (8/436) :" وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم ، فمحرم مجمع على تحريمه ، ولا يعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذَلِكَ ، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى " انتهى ؟

وقد صنف أهل العلم قديما وحديثا كتبا في بيان حكم استماع آلات اللهو ، وبيان حرمتها ، ومن ذلك ما يلي :

كتاب "الرد على من يحب السماع" ، للإمام أبي الطيب الطبري رحمه الله

كتاب " كشف القناع عن حكم الوجد والسماع" ، للإمام أبي العباس الأنصاري القرطبي رحمه الله

كتاب "نزهة الأسماع في مسألة السماع" ، للإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله

كتاب "كف الرعاع عن محرمات اللهو السماع" ، لابن حجر الهيتمي رحمه الله .

ومن المعاصرين ، الشيخ الألباني في كتابه "تحريم آلات الطرب" .

وقد جمع في كتابه الكثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة ، فمن أراد أن يراجعها فدونه هذا الكتاب العظيم .

ثانيا :

الحديث الوارد والذي أشار له السائل حديث صحيح ، ولا عبرة بطعن ابن حزم رحمه الله ، ومن وافقه فيه .

والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (5590) ، معلقا ، فقال :" وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ ، وَالحَرِيرَ ، وَالخَمْرَ ، وَالمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا ، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ، وَيَضَعُ العَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ  .

ووصله البيهقي في "السنن الكبرى" (6317) فقال :" أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَدِيبُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِي ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ يَعْنِى ابْنَ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ به  ".

ثالثا :

أما محل الشبهة التي أوردها هؤلاء وغيرهم وهي قولهم : أن المحرم هو الجمع بينهم " ، فهي شبهة باطلة داحضة لما يلي :

أولا : أن لفظ الحديث :" يستحلون : الحر ، والحرير ، والخمر ، والمعازف " .

وهنا قد جمع في الحديث بين ثلاثة أشياء ، وهي ( الزنى ، والحرير ، والخمر ، والمعازف )

قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (8/3346) :" الْمَعْنَى: يَعُدُّونَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ حَلَالَاتٍ بِإِرَادَاتِ شُبُهَاتٍ وَأَدِلَّةٍ وَاهِيَاتٍ "انتهى .

وهنا ما يعرف بدلالة الاقتران ، وهي حجة إذا كان العطف بين المفردات ، كما في قوله تعالى :  وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ   البقرة/196 .

قال الزركشي في "البحر المحيط" (8/111) :" إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ نَاقِصًا ، بِأَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْخَبَرُ ، فَلَا خِلَافَ فِي مُشَارَكَتِهِ لِلْأَوَّلِ ، كَقَوْلِك: زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةٌ ، لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ الْمُشَارَكَةَ .

وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِي الْعِلَّةِ فَيَثْبُتُ التَّسَاوِي مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ، لَا مِنْ جِهَةِ الْقِرَانِ .

احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا أَنَّ اللَّمْسَ حَدَثٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ النساء/43 .

وَمِثْلُهُ عَطْفُ الْمُفْرَدَاتِ .

وَاحْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ عَلَى إيجَابِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ البقرة/196 ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْوُجُوبُ أَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، لِأَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْحَجِّ ". انتهى

وهنا في هذا الحديث قرن الثلاثة في قوله " يستحلون " ، فعاد الأمر على كل واحد منها على حدة .

ثانيا : أن قوله :" يستحلون " : لا يصح حملها على المجموع قولا واحدا ، وقد جاء في القرآن ما يوضح ذلك كما في قوله تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا الفرقان/68 .

قال البغوي في تفسيره "معالم التنزيل" (6/96) :" قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَيْ: شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ ". انتهى

ولا يوجد عاقل يقول أن المحرم فقط فعلها جميعا ، بل كل واحد منها منكر وحده .

ثالثا : لو قلنا : إن المحرم هو الجمع بينها فقط ، للزم من ذلك حل الزنى وشرب الخمر ، واللازم باطل إجماعا ، فالملزوم باطل مثله .

 وقد نقل الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/116) اعتراضات المجوزين لسماع آلات اللهو على هذا الحديث  فقال :" فقالوا لَا نُسَلِّمُ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَأَسْنَدُوا هَذَا الْمَنْعَ بِوُجُوهٍ ....

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمَعَازِفُ الْمَنْصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِهَا هِيَ الْمُقْتَرِنَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ لِيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ تَرُوحُ عَلَيْهِمْ الْقِيَانُ وَتَغْدُو عَلَيْهِمْ الْمَعَازِفُ .

وَيُجَابُ : بِأَنَّ الِاقْتِرَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجَمْعُ فَقَطْ  ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ الزِّنَا الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ : لَا يُحَرَّمُ إلَّا عِنْدَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَعَازِفِ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ، فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ.

وَأَيْضًا يَلْزَمُ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى - { إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) الحاقة/33 – 34 : أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عَدَمَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ " انتهى .

رابعا : أن القاعدة تقول :" لا يجمع بين مباح ومحرم في الوعيد " .

وهنا على قول هؤلاء أن المحرم الجمع ، يلزم منه أن المعازف مباحة ، وبالتالي قد جمع المباح مع المحرم في الوعيد ، وهذا ممتنع .

وقد نص على هذه القاعدة جمع من الأصوليين :

قال السمعاني في "قواطع الأدلة" (1/456) :" لا يصح الجمع بين شيئين في الوعيد ، إلا وأن يكون كل واحد منهما يستحق عليه الوعيد " انتهى .

وقال أبو يعلى في "العدة في أصول الفقه" (4/1067) :" فإن قيل: الذي تعلق بمشاقة الرسول ، وباتباع غير سبيل المؤمنين ، فثبت أنه لا يتعلق بأحدهما على الانفراد.

قيل: مشاقة الرسول محرمة بانفرادها ، وإن لم يكن هناك مؤمن ، فدلَّ على أن التوعد على كل منهما : بانفرادِه .

وهذا مثل قِوله تعالى:  وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلهاً آخَرَ وَلاَ يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بالْحَق وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً  ، فجمع بين هذه الأفعال في الوعيد ، وكان منصرفاً إلى كل واحد منهم .

وجواب آخر، وهو: أن اتباع غير سبيل المؤمنين لو لم يكن محرماً بانفراده ، لم يحرم مع مشاقة الرسول ، كسائر المباحات ؛ ألا ترى أنه لا يجوز الجمع بين القبيح والمباح في باب الوعيد ، فلما جمع تعالى بين مشاقة الرسول ، وبين ترك اتباع سبيل المؤمنين في الوعيد : عُلم أن كل واحد منهما يقتضي الوعيد " انتهى .

وقال التفتازاني في "شرح التلويح" (2/93) :" وَاسْتَدَلَّ عَلَى إفَادَةِ الْإِجْمَاعِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ يَقِينًا بِوُجُوهٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ النساء/115 .

وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ : أَنَّهُ تَعَالَى أَوْعَدَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، بِضَمِّهِ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ ؛ فَيَحْرُمُ ؛ إذْ لَا يُضَمُّ مُبَاحٌ إلَى حَرَامٍ فِي الْوَعِيدِ ". انتهى

فتبين مما سبق أن هذه الشبهة باطلة ، والحمد لله .

وينظر للفائدة كتاب : "الرد على القرضاوي والجديع" للشيخ عبد الله رمضان موسى ، ص (39-43) ، وص (74-80) .

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...