عنوان الفتوى : أحكام الهبة فيما إذا مات الواهب أو الموهوب له
أشكر لكم جهدكم المبارك، وأدعو الله أن يجزيكم عنه أعظم الجزاء، فبارك الله فيكم. وسؤالي خاص بجار لي يقول: أخذ أخي أمَّنا فتنازلت عن حقها في قطعة أرض إلى ابني برضى كامل منها دون أي إكراه، ثم كتب أخي حقه باسم زوجته، ماتت أمُّنا، ثم مات أخي هذا المذكور. والورثة الآن من ذكور وإناث بعضهم يقبل بهذا الأمر، وبعضهم يرفضه ويطالب بعودة ما جعلته أمي لابني؛ لكي يوزع مع الميراث. وسؤالي الآن: ما الحكم في عمل أمي؟ علما أن ما كتبته هو لابني وليس لي، فهل عملها جائز لا إثم به عليها أم أنه غير جائز وينالها منه الإثم؟ وهل يحل هذا لابني؛ فيأخذه وينتفع به أم أنه يجب أن يرده؛ ليوزع على ورثة جدته؟ راجيا منكم الإجابة المبينة بالأدلة، وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال لا يخلو من غموض، وقد ذكر السائل أن الأم تنازلت عن حقها في قطعة الأرض لابنه الذي هو حفيدها، وليس له هو ( الابن المباشر لها ).
وعلى هذا التقدير: فلا إثم عليها في ذلك؛ إذ لا مانع من إيثار الحفيد في الهبة على الراجح، وتراجع الفتوى رقم: 132337، وإحالاتها.
أما عن ملكه واختصاصه بما وهبت له، فلذلك حالتان:
1- إن كانت الهبة حصلت من الجدة في حال صحتها، وحاز الحفيد ما وهبت له قبل موتها، فقد نفذت الهبة وأصبحت ملكا له، ويمكنه أن يهبها - حينئذ- لزوجته أو لغيرها -إن شاء-. وإن لم يحصل الحوز حتى ماتت الأم بطلت الهبة، وردت إلى الميراث لتقسم بين أصحاب التركة، كل بحسب نصيبه المقرر له شرعًا، وهذا رأي الجمهور ( المالكية، والحنفية، وبعض الشافعية، ورواية عن الحنابلة ). وقيل: لا تبطل، بل يقوم الوارث مقام الواهب في الإقباض والإذن في القبض، وهو رأي جمهور الشافعية، والرواية الأخرى عن الحنابلة؛ جاء في المبسوط للسرخسي الحنفي: إن مات أحدهما إما الواهب أو الموهوب له قبل التسليم: بطلت الهبة; لأن تمام الهبة بالقبض, وكان القبض في الهبة كالقبول في البيع من حيث إن الملك يثبت به, فكما أن موت أحدهما بعد الإيجاب قبل القبول يبطل البيع فكذلك الهبة. اهـ.
وفي الرسالة لابن أبي زيد القيرواني المالكي: ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث. اهـ.
وفي المغني لابن قدامة المقدسي الحنبلي: إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة, سواء كان قبل الإذن في القبض أو بعده. ذكره القاضي في موت الواهب; لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين, كالوكالة والشركة. وقال أحمد في رواية أبي طالب, وأبي الحارث, في رجل أهدى هدية فلم تصل إلى المهدى إليه حتى مات: فإنها تعود إلى صاحبها ما لم يقبضها. وروي بإسناده عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت: { لما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك, ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة علي, فإن ردت فهي لك. قالت: فكان ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وردت عليه هديته, فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك, وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة }. وإن مات صاحب الهدية قبل أن تصل إلى المهدى إليه، رجعت إلى ورثة المهدي, وليس للرسول حملها إلى المهدى إليه, إلا أن يأذن له الوارث، ولو رجع المهدي في هديته قبل وصولها إلى المهدى إليه, صح رجوعه فيها, والهبة كالهدية. وقال أبو الخطاب: إذا مات الواهب, قام وارثه مقامه في الإذن في القبض والفسخ. وهذا يدل على أن الهبة لا تنفسخ بموته. وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي; لأنه عقد مآله إلى اللزوم, فلم ينفسخ بالموت، كالبيع المشروط فيه الخيار. اهـ.
وفي المنهاج للنووي الشافعي: فلو مات أحدهما بين الهبة والقبض قام وارثه مقامه, وقيل: ينفسخ العقد. اهـ.
2- وإن كانت الهبة حصلت منها في مرض الموت، فلها حكم الوصية، كما تقدم في الفتوى رقم: 109761، وحيث إن الحفيد هنا غير وارث لوجود الابن المباشر؛ فإن الوصية له صحيحة، لكن بشرط أن لا تزيد عن ثلث المال، فإن زادت عنه لم تمض الزيادة في حصة من لم يرض من الورثة بها، ولا في حصة من كان منهم قاصرًا.
وننصح بالرجوع للمحاكم الشرعية في البلد؛ فهي صاحبة الاختصاص في هذه الأمور، وفي وسعها الاطلاع على كافة حيثيات المسألة.
والله أعلم.