عنوان الفتوى : الأدلة على ترجيح المنع في التفضيل بالعطية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لقد قام والدي ببيع منزله إلى إخواتي الغير أشقاء بيع وشراء ولم يترك لنا أي شيء ما هو حكام الدين في ذلك? علما بأن لي 3 بنات وأنا فقط منهم بنات مصابة بشلل الأطفال.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فننبه السائلة الكريمة إلى أن سؤالها غير واضح وضوحاً تاماً، وسنجيب في حدود ما ظهر لنا من سؤالها، فنقول: هذا البيع لا يخلو من صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون هذا البيع بيعاً حقيقياً قد أبرمه والدكم وهو عاقل رشيد مختار، فهذا البيع صحيح، لأن له التصرف في ماله بما أحب ومن ذلك بيع منزله، وعليه في هذه الحالة أن يوفر لأهل بيته المنزل المناسب ولو بالأجرة.
الصورة الثانية: أن يكون هذا البيع بيعاً صورياً ليس حقيقياً وإنما هو عبارة عن حيلة لإعطاء بعض الأولاد وحرمان بعض، فلا يحل هذا التصرف ووالدكم آثم فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، لمن أراد أن يفضل بعض أولاده على بعض: ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: لا تشهدني فإني لا أشهد على جور. وفي رواية: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن. وفي رواية أنه قال له: فاردده. رواه مسلم، وأصله في البخاري. فدل ذلك على أنه يجب على المسلم أن يسوى بين أولاده فيما يعطيهم، واستثنى العلماء من وجوب التسوية ما كان التفضيل فيه لمسوغ شرعي مثل أن يكون أحدهم كثير العيال، أو يكون طالب علم فيه كلفة، أو مريضاً يحتاج إلى علاج ولا يقدر على شرائه، ونحو ذلك، وانظر لذلك الفتوى رقم: 6242.
وإذا تقرر هذا، فإن كان ذلك البيع قد اتخذ حيلة لتفضيل بعض الأولاد على بعض، وتم بالكلام، ولم يسلم إليهم والدكم البيت حتى مات أو مرض مرض الموت فهذا مردود باتفاق الأئمة.
ولا يؤثر في ذلك كون هذا التصرف قد تم بلفظ البيع، لا بلفظ الهبة، لأن العبرة في العقود بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني، بل هذا مما يزيد هذا التصرف قبحاً وإثماً، لأن الله تعالى ذم المخادعين له بقوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:9]، والحيلة مخادعة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل. رواه ابن بطة وحسنه شيخ الإسلام.
وإن كان والدك قد أقبضهم هذا البيت في حال صحته ففي صحة هذه الهبة -أي صحة هبتهم البيت- قولان للعلماء:
القول الأول: صحة ذلك.. وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أشهد على هذا غيري. ولو كان حراماً أو باطلاً لما قال هذا، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأرجعه. ولو لم يكن نافذا لما احتاج إلى الرجوع، ولما روى البيهقي أن أبا بكر رضي الله عنه نحل عائشة ابنته جذاذ عشرين وسقا، دون سائر ولده.
القول الثاني: عدم صحة هذه الهبة وإلى هذا ذهب الحنابلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاردده. وفي لفظ قال: فأرجعه.
وهذا القول الثاني هو الراجح لصريح الأمر برد هذه الهبة، والرد ظاهر في الفسخ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. أي مردود مفسوخ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جوراً، ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فوجب أن يمنع منه، كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها، وأما قول أبي بكر فلا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه، ويحتمل أن يكون قد نحلها، ونحل غيرها من ولده، أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها، فأدركه الموت قبل ذلك، قال القرطبي: وهذا كله ظاهر قوي وترجيح جلي في المنع.
فمن هذا تعلمين أن البيع لو كان حقيقياً فهو صحيح، ولو كان مجرد حيلة فهو غير صحيح، ولك أن تراجعي في ذلك المحاكم المختصة، أو توسطي بينكم وبين والدكم أحداً من أهل الخير والصلاح، وفقكم الله إلى ما يحبه ويرضاه.

والله أعلم.