عنوان الفتوى : سبب فتح أبي بكر الصديق للعراق التي كانت تحت حكم الفرس
لماذا شن أبو بكر الصديق رضي الله عنه الحرب على الإمبراطورية الفارسية؟
الحمد لله
فتح بلاد فارس إنما وقع في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي عهده وقعت أهم المعارك ضد الفرس ، معركة القادسية ، بقيادة سعد بن أبي وقاص، ومعركة نهاوند بقيادة النعمان بن مقرن ، والتي تسمى بفتح والفتوح.
نعم؛ وقع في عهد الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه فتح لبلاد العراق ، التي كانت إلى ذلك العهد تحت سيطرة الفرس.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة، بعث إليه الصديق أن يسير إلى العراق، وأن يبدأ بفرج الهند، وهي الأبلة، ويأتي العراق من أعاليها، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الله عز وجل، فإن أجابوا، وإلا أخذ منهم الجزية، فإن امتنعوا من ذلك كله قاتلهم في الله، وأمره أن لا يكره أحدا على المسير معه، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام، وإن كان قد عاد إليه، وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من المسلمين، وشرع أبو بكر في تجهيز السرايا والبعوث والجيوش أمدادا لخالد، رضي الله عنه " انتهى من "البداية والنهاية" (9 / 511).
وقال البلاذري:
" قالوا: وكان المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم الشيباني يغير على السواد في رجال من قومه، فبلغ أبا بكر الصديق رضي الله عنه خبره، فسأل عنه، فقال له قيس بن عاصم بن سنان المنقري: هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد: هذا المثنى بن حارثة الشيباني .
ثم أن المثنى قدم على أبي بكر، فقال له يا خليفة رسول الله استعملني على من أسلم من قومي، أقاتل هذه الأعاجم من أهل فارس، فكتب له أبو بكر في ذلك عهدا، فسار حتى نزل خفان ، ودعا قومه إلى الإسلام فأسلموا، ثم إن أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى خالد بن الوليد المخزومي يأمره بالمسير إلى العراق، ويقال: بل وجهه من المدينة، وكتب أبو بكر إلى المثنى بن حارثة ، يأمره بالسمع والطاعة له ، وتلقيه " انتهى من "فتوح البلدان" (ص 337).
ثانيا:
أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس بشير ونذيرا. قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) سبأ/28.
وقال الله تعالى: ( قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف /158.
وأمره أن يبلغ رسالة الله تعالى، قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة/67.
وهذا التبليغ لم يكن ممكنا إلا بإخضاع الناس تحت سلطة الإسلام حتى يسمعوا كلام الله تعالى ورسالته من غير حاجز ولا مانع.
قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) التوبة /123.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري (25) ومسلم (22).
فهذا القتال يكون لهداية الناس إلى دين الله تعالى؛ وذلك بوضع القوة التي تتسلط عليهم، وتحول بينهم وبين دين الله جل جلاله = وضعها بين خيارين : إما الاستجابة إلى دعوة ربهم سبحانه وتعالى، أو إعطاء الجزية والدخول تحت سلطة المسلمين.
قال الله تعالى: ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) التوبة /29.
وهذا الوضع يسمح لأصحاب الأرض بسماع كلام الله تعالى في كل حين، ويتعرفوا إلى محاسن الإسلام، ويمنحهم الفرصة في أن ينقادوا إليه بعد ذلك طوعا وعلى اقتناع. وقد قال الله تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبة/6
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قال العلماء: الحكمة في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم ويحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام " انتهى من "فتح الباري" (6 / 259).
وهذا الذي حصل لمعظم سكان البلدان التي فتحها المسلمون ، سواء في ذلك إمبراطورية الفرس ، أو غيرها .
ومن مهام الخلافة أن يقتدي الخليفة بالنبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الدين وتبليغه إلى الناس.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (34647).
فالحاصل؛ أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه سعى في فتح العراق استجابة لدعوة الله تعالى بتبليغ الإسلام إلى الناس وانقاذهم من شقاء الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |