عنوان الفتوى : تسأل عن الفرق بين مسجد قباء والمسجد النبوي

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

في جميع المواقع الإسلامية المعروفة والموثقة لم أجد إجابة واضحة على استفساري الآتي: ما الفرق التاريخي بين مسجد قباء الذي أسس على التقوى ، والحرم النبوي الشريف الحالي؟ إذا كان مسجد قباء هو المسجد النبوي ، كما هو مسمى في معظم المواقع ، فما هو الحرم النبوي الحالي إذن؟ ولماذا هذا الخلط بينهما في رواية تاريخهما ؟ وكيفية بنائهما ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله

أولا :

لا خلط في الروايات التاريخية بين مسجد قباء والمسجد النبوي البتة ، بل التفريق بينهما واضح ، وما بينهما من المسافة في الواقع ، وكون مسجد قباء في مكان ، والمسجد النبوي في مكان آخر: يجعل من المستبعد أن يحصل بينهما خلط أو التباس .

فقد كانت قباء قرية خارج المدينة النبوية يسكنها بنو عمرو بن عوف ، وهي تبعد عنها نحو ميلين ، ويقدر ذلك بما يزيد على ثلاثة كيلوات .

قال ياقوت الحموي :

"وأصله اسم بئر هناك عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار...

وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة ، بها أثر بنيان كثير" انتهى من "معجم البلدان" (4/302) .

ثانيا :

لما أقبل النبي صلى الله عليه وسلم نحو المدينة نزل في قباء ، ومكث بها أربعة أيام ، وبنى مسجد قباء وصلى فيه ، ثم سار نحو المدينة ، فبنى مسجده بها حيث بركت الناقة .

قال المباركفوري :                  

"في يوم الاثنين 8 ربيع الأول سنة 14 من النبوة- وهي السنة الأولى من الهجرة- الموافق 23 سبتمبر سنة 622 م نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء .

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس .

وأسس مسجد قباء وصلى فيه ، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة .

فلما كان اليوم الخامس- يوم الجمعة- ركب بأمر الله له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى بني النجار- أخواله- فجاؤوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانوا مائة رجل .

وبعد الجمعة دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة- ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعبر عنها بالمدينة مختصرا- وكان يوما تاريخيا أغر .

وسارت الناقة حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلا، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول، فنزل عنها، وذلك في بني النجار- أخواله- صلى الله عليه وسلم " انتهى مختصر من "الرحيق المختوم" ص (154) .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (70467).

ثالثا :

لم يقل أحد من العلماء : إن مسجد قباء هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما بينهما من الفرق معلوم ؛ والأحاديث المتواترة المستفيضة في السنة النبوية تقضي بالمغايرة بينهما .

نعم ؛ وقع الخلاف بين أهل العلم في المقصود بقوله تعالى (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) التوبة: 108 هل هو المسجد النبوي أو مسجد قباء ؟

وهذه المسألة مشهورة عند أهل العلم ، فمنهم من قال إنه مسجد قباء ، ومنهم من قال هو المسجد النبوي ، ومنهم من قال تحمل الآية على المسجدين وكلاهما مقصود بها، وهذا القول الأخير اختاره ابن حجر وغيره . 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" مسجد قباء أسس على التقوى، ومسجده صلى الله عليه وسلم أيضا أسس على التقوى وهو أكمل في ذلك، فلما نزل قوله تعالى: لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين [سورة التوبة: 108] بسبب مسجد قباء، تناول اللفظ لمسجد قباء ولمسجده صلى الله عليه وسلم  بطريق الأولى " . انتهى، من "منهاج السنة النبوية" (4/24) .

وينظر أيضا : "مجموع الفتاوى" (27/406) ، "زاد المعاد" لابن القيم (/382) ، "فتح الباري" لابن حجر (7/245) .

فلعل السائلة التبس عليها كلام أهل العلم عن هذه الآية ، فظنت أن بعضهم يقول بأن مسجد قباء هو المسجد النبوي ، وليس الأمر كذلك ، فهما مسجدان ، ولكن اختلف العلماء في أيهما المراد بالآية الكريمة كما سبق .

والله أعلم .