عنوان الفتوى : السبيل الأقوم: تعلم الإيمان قبل القرآن
هل تعلم التوحيد أم الإيمان والمعتقدات أم تعلم القرآن أولا؟ وإذا كان الشخص قد تعلم أغلب مسائل التوحيد؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان طريق السلف تعلم الإيمان قبل القرآن، أخرج البيهقي، وسعيد بن منصور، وغيرهما عنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّا قَوْمٌ أُوتِينَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نُؤْتَى الْقُرْآنَ، وَإِنَّكُمْ قَوْمٌ أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُؤْتَوَا الْإِيمَانَ.
قال الشيخ سعد الحميد: الحديث حسن لغيره ـ إن شاء الله ـ
وأَخرج ابن ماجه، والبيهقي في السنن الكبرى عن أبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: كُنَّا غِلْمَانًا حَزَاوِرَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُعَلِّمُنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تُعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ.
وجاء في مُصنف ابن أبي شيبة عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، ولا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العمل والعلم، قال: فعلمنا العمل والعلم.
وعن أبي العالية، قال: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذه خمسا خمسا. وعن إسماعيل قال: كان أبو عبد الرحمن يعلمنا خمسا خمسا. انتهى.
عن القاسم بن عوف قال: سمعت عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ وَأَحَدُنَا يَرَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ نُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا، كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، وَلَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقلِ. رواه الطبراني في الأوسط، قال الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة ووافقه الذهبي.
والدَقَل: رديء التمر.
وروى أحمد في الزهد عن الحسن البصري، قال: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، وما تدبُّر آياته إلا باتباعه، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفاً وقد ـ والله ! ـ أسقطه كله ما يُرى القرآن له في خلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نَفَسٍ! والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الوَرَعة متى كانت القراء مثل هذا؟! لا كثَّر الله في الناس أمثالهم.
فهذه الآثار تقرر أن طريق السلف البدء بالإيمان، وعدم مجاوزة الآيات إلا بعد تحصيل ما فيها من الإيمان، فمن قدر على هذا الطريق، فلا يعدل به غيره.
ومن عجز، فليسدد وليقارب، فيحفظ ما استطاع، ويجتهد أن يلحق العمل بما حفظه، ولا يكتفي بالحفظ فقط.
وكان الأئمة يستعملون الحفظ مع الصبيان أكثر، فالشافعي، والتستري، وغيرهما حفظوا القرآن لسبع سنين.
وذكر العلماء في مناهج المدارس العلمية، وقبل ذلك في حلقات العلم أنهم كانوا يبدؤون بالقرآن حفظاً؛ قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: قال الميموني: سألت أبا عبد الله أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا بالقرآن. قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلمه منه. ثم قال لي: إذا قرأ أولا تعود القراءة ثم لزمها، وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زمننا هذا.انتهى.
وتجد في عامة تراجم العلماء: قرأ القرآن على فلان...
فكأن الأئمة ـ رحمهم الله ـ رأوا أنه يصعب إلزام كل أحد بتعلم الإيمان أولا، فنقلوهم إلى مرتبة مفضولة، هي أفضل من ترك الحفظ والعمل، وهي الحفظ، ثم نصح من يحفظ بالاجتهاد في العمل بالقرآن.
فإذا كنت تعلمت ما وجب عليك من مسائل التوحيد، وأمكنك الطريقة الأولى، فهي الأصل، وإلا فسدد وقارب.
وراجع في أول يبدأ به طالب العلم الفتويين التاليتين أرقامهما: 93424، 101737.
والله أعلم.