عنوان الفتوى : آثار الذنوب على العلاقات الاجتماعية والأسرية
أحس هذه الأيام أن المحيطين بي سواء المجتمع بشكل عام، أو حتى زملاء العمل، أو إخوتي في المنزل، أصبحوا ينظرون لي نظرة غريبة بدون سبب، وينظرون لي نظرة دونية، حيث بدأ الإحساس بهذا كله منذ أن بدأت بالنظر إلى المحرمات بكثرة، حيث بدأت مشاكلي الاجتماعية تزداد، فهل لفعل المعاصي أثر على حياة الإنسان الاجتماعية (أي: علاقاته بالمجتمع، والمحيطين به)؟ وكيف أتخلص من كل ما سبق، وأرجع مثل ما كنت من قبل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد من الله عليك باستشعارك أثر الذنب في المصائب، فكم من قلب أصيب، ولكن ما لجرح بميت إيلام، فاحمد الله، وبادر بالتوبة، قبل أن تفقد هذا الشعور، فلا شك أن للذنوب عمومًا أضرارًا كبيرة على العبد، بينّا بعضها بالفتويين: 41620، 99766.
ولها أضرار في علاقاته المجتمعية خصوصا؛ قال ابن القيم في الداء والدواء-في آثار المعاصي-: "وَمِنْهَا: الْوَحْشَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَلَا سِيَّمَا أَهْلُ الْخَيْرِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يَجِدُ وَحْشَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ تِلْكَ الْوَحْشَةُ بَعُدَ مِنْهُمْ، وَمِنْ مُجَالَسَتِهِمْ، وَحُرِمَ بَرَكَةَ الِانْتِفَاعِ بِهِمْ، وَقَرُبَ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ، بِقَدْرِ مَا بَعُدَ مِنْ حِزْبِ الرَّحْمَنِ، وَتَقْوَى هَذِهِ الْوَحْشَةُ حَتَّى تَسْتَحْكِمَ، فَتَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَوَلَدِهِ، وَأَقَارِبِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، فَتَرَاهُ مُسْتَوْحِشًا مِنْ نَفْسِهِ.
وَذَكَرَ أَيْضًا: عَنْ وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ عَدَّ حَامِدَهُ مِنَ النَّاسِ ذَامًّا. ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: لِيَحْذَرِ امْرُؤٌ أَنْ تَلْعَنَهُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مِمَّ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَخْلُو بِمَعَاصِي اللَّهِ فَيُلْقِي اللَّهُ بُغْضَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِأَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَهُ الدَّيْنُ اغْتَمَّ لِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ هَذَا الْغَمَّ بِذَنْبٍ أَصَبْتُهُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً....قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُ الذَّنْبَ فِي السِّرِّ، فَيُصْبِحُ وَعَلَيْهِ مَذَلَّتُهُ." اهـ.
وننصحك بقراءة الكتاب عمومًا، وهذا الفصل خصوصًا.
وإنما الخلاص من ذلك بالتوبة، وهي واجبة عليك من كل ذنب، وانظر الفتوى رقم: 5450.
وانظر فيما يعين على التوبة وغض البصر الفتويين: 81081، 266074، وتوابعهما.
والله أعلم.