عنوان الفتوى : إذا خلط اللبن بطعام هل ينشر التحريم؟
حينما كنت بعمر السنة الواحدة كنت أذهب للحضانة ، وهناك كنت آكل من أكل طفل تضع فيه والدته من حليبها وتكرر الأمر أكثر من مرة ، فهل يعتبر أخي من الرضاعة ؟
الحمد لله
من ارتضع من امرأة خمس رضعات معلومات وهو في الحولين، صار ولدا لها، وأخا لجميع أولادها؛ لما روى مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ .
فإن خلط اللبن بطعام، فإن كان اللبن غالبا: نشر التحريم.
وإن كان اللبن مغلوبا، ففي ذلك خلاف بين الفقهاء.
وإن صار اللبن جبنا أو أقطا ، فالجمهور على أنه يحرّم.
جاء في الموسوعة الفقهية (22/ 243):
"12-يشترط أن يصل اللبن إلى جوف الطفل بمص من الثدي، أو إيجار من الحلق، أو إسعاط من الأنف، سواء كان اللبن صرفا أو مشوبا بمائع لم يغلب على اللبن، بأن كان اللبن غالبا، بأن كانت صفاته باقية.
ولا فرق بين أن يكون المخالط نجسا كالخمر وأن يكون طاهرا كالماء ولبن الشاة.
أما إن كان اللبن مغلوبا فقد اختلف الفقهاء في ثبوت التحريم به:
فذهب الحنفية والمالكية إلى أن اللبن المغلوب لا يؤثر في التحريم؛ لأن الحكم للأغلب، ولأن اسم اللبن يزول بغلبة غيره عليه .
وذهب الشافعية إلى أنه يثبت التحريم وإن كان اللبن مغلوبا، بأن لم يبق من صفاته شيء، بشرط أن يشرب الطفل الجميع أو يشرب بعضه، إذا تحقق أن اللبن قد وصل إلى الجوف بأن بقي منه أقل من قدر اللبن، وأن يكون اللبن مقدارا لو انفرد لأثر.
وقال الحنابلة: اللبن المشوب كالمحض في إثبات التحريم به على المذهب، والمشوب هو المختلط بغيره، والمحض هو الخالص الذي لا يخالطه سواه، سواء شيب بطعام أو شراب أو غيره، وسواء أكان غالبا أو مغلوبا، وقال أبو بكر: قياس قول أحمد أنه لا يحرم لأنه وجور ، وحكي عن ابن حامد أنه قال: إن كان الغالب اللبن حرم وإلا فلا؛ لأن الحكم للأغلب؛ ولأنه يزول بكونه مغلوبا الاسم والمعنى المراد به...
13 - كما اختلفوا في ثبوت التحريم باللبن المخلوط بطعام والمتغيرة هيئته بأن يصير جبنا أو مخيضا، أو إقطا.
فذهب الجمهور إلى أن التحريم يثبت به لوصول عين اللبن إلى جوف الطفل، وحصول التغذية به. وقال الحنفية: لا تأثير للبن المخلوط بطعام ولا المتغير هيئته، ولا ما مسته النار لأن اسم الرضاع لا يقع عليه" انتهى.
والحاصل ، فيما يتعلق بخصوص السؤال عن القصة المذكورة ، أن هنا أمرين ينبغي الاحتياط للعرض والدين فيهما ، واتقاء الشبهة :
أما الأمر الأول ، فهو ما يتعلق بالزواج : فحيث ثبت أنك أكلت من هذا الطعام الذي اختلط بلبن المرأة المذكورة : فإنك لا تتزوجين من هذا الذي رضعت من لبن أمه ، لا هو ولا أحد من إخوته ، بل تسري عليك أحكام الرضاع المعروفة في تحريم الزواج .
ومع طول هذه المدة الماضية : يصعب جدا ضبط مقدار ما أكلت ، أو مقدرا المرات التي أكلت فيها ، هل كانت خمسا ، أو كانت أكثر ، وهل كان اللبن المخلوط في كل مرة كثيرا ، باقية صفاته ، أو لا ؟ ومع تعذر ضبط ذلك ، وغلبة الظن بتكرار الأكل من ذلك الطعام مرات عديدة ، ما دام المخالطة بينكما قد استمرت مدة : مع اعتبار ذلك ، كان لا بد من الاحتياط للفروج ، وترك التزويج ، دفعا لهذه الشبهة القوية ، وخروجا من قول من يقول من أهل العلم إن اللبن المخلوط بطعام ، يحرم مطلقا ، مهما كان قدره !!
وليس في ترك التزويج بشخص معين : حرج في دين ، ولا دنيا ، وإنما المخاطرة بالزواج بمن يحتمل أمره المحرمية : هي مظنة الحرج والريب ؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ ) . رواه الترمذي (2518) ، وقال : هذا حديث صحيح . وصححه الألباني .
قال النووي رحمه الله : " قوله : (يَريبُكَ) : هُوَ بفتح الياء ، وضمها .
ومعناه: اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ، وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ." انتهى، من "رياض الصالحين"(62).
وأما الأمر الثاني : فهو ما يتعلق بالخلطة ، والحجاب ، ونحو ذلك : فإنك لا تعتدين بهذا الشاب ، أو إخوته : محارم لك ، تضعين حجابك عندهم ، أو تختلطين بهم ، كالخلطة بالمحارم ، ونحو ذلك ؛ لما في الأمر من الشبهة والاحتمال .
وليس في الجمع بين الأمرين – ترك التزويج ، مع الأمر بالاحتجاب ونحو ذلك – ليس بينهما تعارض بحمد الله ، بل هو ترك للريبة في الجانبين ، واحتياط للدين والعرض .
وقد روى البخاري (6765) ومسلم (1457) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ .
قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وكذلك الأنساب مثل كون الإنسان أبا لآخر أو أخاه يثبت في بعض الأحكام دون بعض .. "
وذكر الحديث السابق بطوله ، ثم قال :
" فقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم ابن زمعة لأنه ولد على فراشه وجعله أخا لولده بقوله: فهو لك يا عبد بن زمعة ، وقد صارت سودة أخته يرثها وترثه؛ لأنه ابن أبيها زمعة ولد على فراشه.
ومع هذا : فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحتجب منه ، لما رأى من شبهه البيِّن بعتبة .
فإنه قام فيه دليلان متعارضان: الفراش ، والشبه .
والنسب ، في الظاهر ، لصاحب الفراش : أقوى ...
ولما كان احتجابها منه : ممكنا ، من غير ضرر ؛ أمرها بالاحتجاب ، لما ظهر من الدلالة على أنه ليس أخاها في الباطن.
فتبين أن الاسم الواحد ينفى في حكم ويثبت في حكم. فهو أخ في الميراث وليس بأخ في المحرمية." انتهى ، من "مجموع الفتاوى" (7/420-421) .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |