عنوان الفتوى : اعتمرت عمرتين وطافت في أولاهما وهي حائض فما حكمها
اعتمرت مع أهلي قبل سبع سنين وأنا صغيرة، وكنت حائضا وطفت وسعيت وأديت مناسك العمرة، ثم رجعنا إلى المدينة, وبعدها بسنوات اعتمرنا أيضا فشككت أثناء الطواف هل خرج مني ريح أم لا؟ فماذا علي في العمرة الأولى؟ وهل عمرتي الثانية لاغية بسبب الأولى؟ وإن لم تكن لاغية فما حكم أخذي بقول ابن تيمية بأن الوضوء سنة للطواف، لأنني موسوسة من هذه الناحية، وبالتالي فعمرتي الثانية صحيحة دون عمرتي الأولى؟ وإن كانتا غير صحيحتين، فهل علي دم؟ أم أرجع للطواف والسعي دون أن أذهب للميقات؟ وكيف تكون الفدية عن لبس القفازين والنقاب؟ وهل أصوم ثلاثة أيام مرة واحدة عن كل المرات التي لبست فيها البرقع والقفازين؟ أم بعدد المرات التي لبست فيها القفازين والبرقع؟ وهل أصوم ثلاثة أيام عن قص الأظافر وإزالة الشعر بعدد المرات التي أزلت فيها الشعر أم مرة واحدة تكفي عن كل المرات التي قصصت فيها الشعر أو أتلفت فيها ما يتلف، علما بأنني عازبة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحيث إنك قد طفت في عمرتك الأولى وأنت حائض، فلا يصح طوافك عند جمهور العلماء، وعلى ذلك فقد كان الواجب عليك أن تعودي بعد الطهر لتطوفي طواف العمرة ثم تكملين عمرتك، وإلا كنت باقية على إحرامك ولم تتحللي من عمرتك وانظري الفتويين رقم: 140656، ورقم: 199403.
وحيث إنك قد ذهبت إلى العمرة مرة ثانية، فقد صحت لك عمرة واحدة بإحرام المرة الأولى وأفعال المرة الثانية، أما إحرامك بالعمرة الثانية: فلا يعتد به، لأنك كنت لا تزالين محرمة بإحرامك الأول، حيث لم يصح تحللك من عمرتك الأولى قال صاحب الفواكه الدواني: لا يصح إرداف عمرة على عمرة ولا حج على حج..... انتهى.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام في باب: ما لا يقبل التداخل.. أو أدخل حجاً على حج أو عمرة على عمرة.... انعقد له حج واحد وعمرة واحدة. انتهى.
ومن ذلك يتضح أنه لا يلزمك أن تذهبي إلى الميقات، لأنه لا معنى لتجديد الإحرام حينئذ، وأما مجرد شكك في خروج الريح أثناء الطواف في المرة الثانية: فلا أثر له ما لم تتيقني خروجها، لأنه من المتقرر فقها أن اليقين لا يزول بالشك وانظري الفتويين رقم: 188015، ورقم: 168061، وما أحيل عليه فيهما.
وبذلك يتضح أنك لست في حاجة إلى الأخذ بالقول بعدم اشتراط الطهارة للطواف طالما لم تتيقني انتقاضها، نظرا للقاعدة المذكورة، وإن كان لا حرج على الموسوس في الأخذ بما هو أرفق به من أقوال الفقهاء، وليس هذا من الترخص المذموم، وانظري الفتويين رقم: 181305، ورقم: 134196.
وحيث تقرر أنك كنت محرمة طوال الفترة بين المرتين، فقد اختلف العلماء في العذر بالجهل في ارتكاب المحظورات، قال ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع في أقسام فاعل المحظورات: القسم الثالث: أن يكون معذورا بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فعلى المذهب التفريق بين المحظورات، فبعضها لا تسقط فديته بالنسيان والجهل والإكراه وهو ما كان إتلافا، أو بمعنى الإتلاف، وبعضها تسقط وهو ما ليس كذلك... والصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقا، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء... وهكذا في جميع المحظورات في العبادات، لا يترتب عليها الحكم، إذا كانت مع الجهل أو النسيان، أو الإكراه، لعموم النصوص، ولأن الجزاء، أو الفدية، أو الكفارة إنما شرعت لفداء النفس من المخالفة أو للتكفير عن الذنب والجاهل أو الناسي أو المكره لم يتعمد المخالفة، ولهذا لو كان ذاكرا أو عالما أو مختارا لم يفعل. انتهى.
وانظري الفتوى رقم: 34894.
وأما الفدية: فإنما تتعدد بتعدد المحظورات إن كانت من أجناس مختلفة، وأما ما تكرر من جنس واحد فتكفي فيه فدية واحدة عن كل ما سبق منه على الراجح، قال في مطالب أولي النهى: ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل صيد بأن حلق شعراً وأعاده، أو قلم ظفراً وأعاده، أو لبس مخيطاً وأعاده، أو تطيب وأعاده، أو وطئ وأعاده بالموطوءة أو غيرها قبل تكفير عن أول مرة، فعليه كفارة واحدة سواء تابع الفعل أو فرقه، لأن الله تعالى أوجب في حلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات، وإلا بأن كفر للمرات الأولى، لزمه لإعادة الفعل كفارة أخرى للمرات الثانية، لأن السبب الموجب للكفارة الثانية غير عين السبب الموجب للكفارة الأولى أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفر ثم حلف وحنث، وإن فعل محظوراً من أجناس، فعليه لكل جنس فداء، سواء فعل ذلك مجتمعاً أو متفرقاً اتحدت فديتها أو اختلفت لأنها محظورات مختلفة الأجناس فلم يتداخل موجبها كالحدود المختلفة. انتهى باختصار.
وعلى ذلك تكفيك فدية عن جميع المرات التي قصصت فيها الأظافر، وكذلك فدية ثانية عن جميع المرات التي أزلت فيها الشعر وهكذا، وانظري الفتوى رقم: 25166.
والله أعلم.