عنوان الفتوى : النكاح بين الجن والإنس، ومسألة المس، والحصن من رؤية الشياطين أثناء الخلاء
فضيلة الشيخ: سؤالي مرة أخرى عن المس، فمنذ معرفتي بإصابتي بالمس العاشق وأنا أتعذب، ولدي بعض الأسئلة: منذ أن اكتشفت أن الذي أعاني منه هو المس، وأنا أقرأ القرآن في نفسي حتى أنام، ولم أشعر في هاته المدة أنه لامسني، فهل يمكن للجن أن يلمسني دون أن أحس به؟ وهل لديه حيلة للنوم معي دون أن أحس به، أو أن يجامعني دون إحساسي بشيء؟ وما فائدة تعلم الدفاع عن النفس إن كنت لا أستطيع فعل هذا مع الجن؟ لم أعد أغتسل كثيرًا، فهل عندما أقول دعاء الخلاء يكون الشيطان معي في الحمام؟ إن كان الجواب نعم: فلماذا أعطى الله هاته القدرة للجن؟ أليس مخجلًا أن يروا عورتنا؟ أنا أؤمن بالله، وأعرف أن الجن موجودون، لكن العاشق أتعبني، كأنني أنام في حرب، وأترقب هل أتى عندي أم لا، وهل في رمضان يختفون؟ إنني أحتاج إلى هدنة لأرتب أعصابي -بارك الله فيكم، ورزقكم الله الصبر عليّ-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئًا لك بالاشتغال بالقرآن الكريم، فهو أفضل العلاجات للمس، ونرجو الله أن يحفظك من شر الشياطين إذا حافظت على التحصينات، والأذكار المأثورة، فإن آية الكرسي عند وقت النوم، وأذكار دخول الخلاء تمنعك منهم عند النوم، وفي داخل الحمام، وقراءة البقرة بالبيت تطردهم من البيت أيضًا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيها: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
وروى البخاري قصة أبي هريرة عندما وكل بحفظ الطعام -يعني صدقة رمضان- وفيه فقال: أي الشيطان: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي, لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب, ذاك شيطان.
وفي سنن الترمذي عن علي -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم، إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله. وهذا عام في الرجال والنساء. والحديث صححه الألباني -رحمه الله-.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله. أخرجه الترمذي.
وفي الحديث: إنّ هذه الحشوش محتضرةٌ، فإِذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث. رواه أحمد من حديث زيد بن أرقم، ورجال سنده رجال مسلم كما قال الأرناؤوط.
وفي لفظ: فإذا أراد أحدكم أن يدخل الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث. رواه النسائي في الكبرى، وأبو يعلى، وجود حسين أسد إسناد أبي يعلى.
فمن حافظ على أذكار الخلاء نرجو له السلامة من رؤية الشياطين، ومسهم له.
وأما عن إمكانية لمس الجني لك، أو نومه، أو جماعه لك دون الإحساس به، فإنه ليس عندنا ما يجزم به، ولكنه قد ذكر بعض أهل العلم احتمال حصول ممارسة الأعمال الجنسية بين الإنسان والجان، واستدلوا لذلك بظاهر قوله تعالى: وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا {الإسراء:64} وقوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ {الرحمن:74}
ثم إنه قد تشعر به المرأة، وقد لا تشعر، فقد قال البغوي في تفسير آية الإسراء: وروي عن جعفر بن محمد أن الشيطان يقعد على ذكر الرجل، فإذا لم يقل: "بسم الله" أصاب معه امرأته، وأنزل في فرجها كما ينزل الرجل، وروي في بعض الأخبار: إن فيكم مغربين، قيل: وما المغربون؟ قال: الذين يشارك فيهم الجن. وروي أن رجلًا قال لابن عباس: إن امرأتي استيقظت وفي فرجها شعلة من نار؟ قال: ذلك من وطء الجن. اهـ.
وقال ابن الجوزي -رحمه الله- في تفسيره لقوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ {الرحمن: 56}: فيه دليل على أن الجني يغشى المرأة كالإنس. اهـ.
وقال شيخ الإسلام: وقد يتناكح الإنس والجن، ويولد بينهما ولد، وهذا كثير معروف، وقد ذكر العلماء سر ذلك وتكلموا عليه، وكره أكثر العلماء مناكحة الجن. انتهى.
وقد ذكر في التاريخ أن بعض الجن حملت من الإنس فقد ذكروا أن بلقيس أمها جنية، والمسألة على كل ليس عندنا دليل قاطع فيها، والاحتمال وارد.
وأما عن مسألة الدفاع عن النفس: فإن المسلم يستطيع أن يدافعهم بالتحصن بالتحصينات الربانية، وسيفلح في حصول مطلوبه، ويحفظه الله من شرهم، كما تدل له النصوص السابقة.
وأما عن حال الجن في رمضان: فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين. وفي رواية: سلسلت.
وروى الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم عنه: إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن.
وقال أهل العلم: إن المراد بالتصفيد إما على الحقيقة ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين، أو مسترقو السمع منهم بخاصة، وإن تسلسلهم يقع في أيام رمضان دون لياليه؛ لأنهم منعوا زمن نزول القرآن من استراق السمع، فزيدوا في التسلسل مبالغة في الحفظ. وإما على المجاز، ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو؛ لانكفاف الناس عن المخالفات، وقلة إغواء الشياطين، فيصيروا كالمصفدين، ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء، ولناس دون ناس، ذكر ذلك النووي عن القاضي عياض في شرحه لمسلم، وقال بعض أهل العلم: إن المصفد هم بعض الشياطين، وهم المردة، ذكره القرطبي، وغيره.
وبناء على الوجه القائل بعدم تصفيد الجميع، فيحتمل تسلط بعض الشياطين على الناس في رمضان، ولكنا نرجو لمن حافظ على هذه الأذكار أن لا تستطيع الشياطين التسلط عليه بأي نوع من أنواع الأذى، لا في اليقظة، ولا في النوم، فقد قال المناوي في فيض القدير عند كلامه على حديث الترمذي المتقدم: فإن اسمه تعالى كالطابع على ابن آدم، فلا تستطيع الجن فك ذلك الطابع، قالوا: ويتأكد للنساء عند دخول الخلاء، وفي كل خلاء، فإن الجن يشركون الإنس فيهن، فيتعين طردهم بالمحافظة على التسمية. انتهى.
ولا شك أن الرقية الشرعية لها أثر كبير، وقد سبق أن بينا كيفيتها في الفتوى رقم: 80694.
وقد قدمنا أسباب السلامة من شر الشياطين في الفتاوى التالية أرقامها: 33860، 51475، 58076.
والله أعلم.