عنوان الفتوى : حكم شراء السلع بالشيكات وزيادة البائع في ثمن السلعة حينئذ
عندنا في ليبيا يوجد مشكلة النقص الحاد في الأوراق النقدية ، فتكاد أغلب المصارف لا يوجد بها أوراق نقدية ، فأصبح التعامل للناس لجلب حاجياتهم اليومية بالشيكات المصرفية . السؤال : صاحب سلعة أردت أن أشتري منه ، فقال لي : نقدا سعرها كذا ، أما بالشيك فتزيدني فوق سعرها عشرون بالمئة ، فهل يعتبر ذلك من الربا أو استغلال للأوضاع ؟ يعني سلعة ب 200 دينار نقدا ، وبالشيك 240 دينار .
الحمد لله.
أولا:
يجوز بيع السلع إلى أجل بأكثر من سعرها الحاضر، وليس ذلك من الربا، بشرط أن لا يتفرقا حتى يعينا نوع البيع الذي يعقدانه، هل هو نقدًا ، أم إلى أجل ؟
ثانيا:
الأصل أن الشيك المصرفي (أي مُصدره هو المصرف أو البنك وليس شخصا) : أن يكون حالًّا، وكذلك الشيك المصدق من البنك، ولهذا عد كثير من أهل العلم استلامهما قبضا، وأجازوا أن يشترى بهما النقود والذهب والفضة.
أما الشيك الشخصي (أي مصدِره شخصٌ) غير المصدَّق، فلا يعتبر قبضا.
جاء في " قرار مجمع الفقه الإسلامي " رقم 84 (1/9):
" يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة ، على أن يتم التقابض بالمجلس " انتهى من مجلة المجمع (ع 9، ج ص 65).
وجاء في " المعايير الشرعية " في معيار الأوراق التجارية، ص273:
" 6/ 1 يعتبر تسلم الشيك الحالّ الدفع : قبضاً حكمياً لمحتواه ؛ إذا كان شيكاً مصرفياً (Banker’s Cheque) ، أو كان مصدقاً (Certified Cheque) ، أو في حكم المصدق ، وذلك بأن تُسحب الشيكات بين المصارف ، أو بينها وبين فروعها .
وبناء على ذلك : يجوز التعامل بالشيك فيما يشترط فيه القبض ، كصرف العملات ، وشراء الذهب أو الفضة به ، وجعل الشيك رأس مال للسلم .
6/ 2 لا يعتبر تسلم الشيك الحالّ الدفع قبضاً حكمياً لمحتواه: إذا لم يكن مصرفيا أو مصدقا أو في حكم المصدق ؛ فإذا لم يكن كذلك : لا يجوز التعامل به فيما يشترط فيه القبض " انتهى .
وجاء فيها ص280: " * مستند اعتبار الشيك في معنى القبض لمحتواه ، إذا كان مصدقا أو في قوة المصدق : أن الشيك يحاط بضمانات كبيرة تجعل القابض له مالكا لمحتواه، ويستطيع المستفيد منه أن يتصرف فيه ، فيبيع به ويشتري ويهب .
كما أن هناك حماية قوية من قبل حكومات الدول تدعم الثقة بالشيك .
ثم إن اعتماد الشيك : يعني وجود رصيد كاف لتغطيته ، وتعهد المصدق عليه (المعتمد) بحجزه حتى نهاية الفترة المحددة للوفاء، ولذلك فإن عامة الناس يفضلون الشيك المصدق على النقد في الصفقات الكبيرة.
* مستند عدم اعتبار الشيك غير المصدق أو ما في حكمه في معنى القبض لمحتواه: احتمال أن يكون بدون رصيد، أو برصيد غير كاف لتغطيته.
والقبض مرجعه العرف، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي باعتبار تسلم الشيك المصدق قبضاً" انتهى.
وبهذا يعلم أنه في الحال التي ذكرت ، وهي عدم وجود أوراق نقدية بالمصارف، فإن الشيك المصرفي يعتبر شيكا مؤجلا، ولا يعد استلامه قبضاً لمبلغه .
فلا يجوز أن يشترى به الذهب والفضة والنقود، لكن يشترى به غير ذلك من السلع.
ولا حرج في كون الشراء به أعلى ثمنا من الشراء بالنقد كما تقدم .
لكن الذي ينبغي على التجار : الرفق بالناس ، وتجنب الجشع والطمع واستغلال حاجات الناس ، وضوائقهم ، والتربح بذلك ؛ فبئس حال المسلم : أن يستغل حاجات الناس وضوائقهم ، في تحقيق أرباح أكبر، وتوسيع ماله ؛ بدلا من أن يواسيهم ، ويرحمهم ، ويتعاطف معهم .
قال الإمام أحمد رحمه الله : " يَنْبَغِي للرجل إِذا اشْترى شَيْئا من قوت الْمُسلمين أَن يحسن نِيَّته وَلَا يتَمَنَّى الغلاء" انتهى، من "مسائل الإمام أحمد" للكوسج (2/227) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يكره للرجل أن يحب غلو أسعار المسلمين ويكره الرخص. ويكره المال المكسوب من ذلك، كما قال من قال من الأئمة: إن مالاً جمع من عموم المسلمين لمال سوء " . انتهى ، من "المستدرك على مجموع الفتاوى" (4/10) .
فإذا كان مال هذا مال سوء ، فكيف بمن تعمد استغلال حاجة الناس وضائقتهم ، لزيادة ربحه ، وإغلاء أسعار السلع التي يحتاجونها عليهم ؟!
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (104242) ورقم (114733) ورقم (12638) ورقم (268052).
والله أعلم.