عنوان الفتوى : لماذا ذكر الجلد في القرآن ولم يذكر الرجم؟
قال لنا صديق: إن حد الجلد مذكور في القرآن، وحد الرجم ليس مذكورًا فيه، وكان الأولى أن يذكر حد الرجم في القرآن؛ لأن الرجم أشد من الجلد، فما ردكم؟ وشكرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في صحيح السنة أن الله سبحانه وتعالى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم للزاني الثيب، وكانت قرآنًا تتلى مدة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نسخ الله لفظها، وبقي حكمها، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب. فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأتها، وعقلتها، ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال، والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البته، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. متفق عليه.
فتبين أن آية الرجم كانت مذكورة في القرآن، وإنما نسخ لفظها، وبقي حكمها، والحكمة في ذلك هي الابتلاء، والاختبار لقوة إيمان هذه الأمة، ومسارعتها إلى طاعة ربها، كما ذكر ذلك السيوطي في الإتقان، والزركشي في البرهان حيث نقلا أن: ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفس بطريق الظن، من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طريق الوحي. انتهى.
فما ذكره صديقك من كون الأولى ذكر الحكم الأشد، قابلته حكمة أعظم منه، وهي ظهور قوة إيمان العباد، وسرعة امتثالهم طاعة لربهم، فيتبين حينئذ الصادق من الكاذب.
وقد ذكر السيوطي حكمة أخرى من نسخها لفظًا، وبقائها حكمًا، فقال- رحمه الله- في الإتقان: وخطر لي في ذلك نكتة حسنة، وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها، وكتابتها في المصحف، وإن كان حكمها باقيًا؛ لأنه أثقل الأحكام وأشدها، وأغلظ الحدود، وفيه الإشارة إلى ندب الستر. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 5132، 13919، 1405.
والله أعلم.