عنوان الفتوى : عاهد الله على أمور وخالف في بعضها, وهل يتكرر الحنث بتكرر الفعل
بارك الله فيكم. سؤالي هو: أنني كتبت عندي نقاطا عشرة، وكتبت فوقها هذا عهد بيني وبين الله أن ألتزم بهذه النقاط العشر ما استطعت لمدة 15 يوما، وبعد مرور 6 أيام خالفت بعض هذه النقاط للأسف. فماذا يلزمني؟ وهل يعتبر هذا العهد يمينا؟ مع العلم أنني لم أكن أنوي اليمين مطلقا بهذا العهد، وإنما فعلته لأضغط على نفسي للوفاء به. وهل إذا التزمت بنسبة تفوق الخمسين في المائة من هذا العهد، ولم أصل مائة بالمائة يلزمني شيء من هذا التقصير. وماذا علي إذا تكرر مني عدم الوفاء لنفس النقاط لكن في عهود وأزمنة مستقلة ومختلفة. أرجو إجابة سريعة وجزاكم الله خيرا، وبارك فيكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع قد حض على الوفاء بالعهد، ولا سيما إذا كان العهد مع الله، وكان ذلك في أمر شرعي، فقد قال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {النحل:91}. وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً. {الإسراء:34}. وقال تعالى: وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ*فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ. {التوبة: 75، 77}.
وقد بينا في فتاوى سابقة خلاف المذاهب فيمن قال (أعاهد الله على كذا) هل يكون يمينا، أو نذرا ويمينا، أو لا يلزمه شيء؟ وذكرنا ترجيح شيخ الإسلام أن من عاهد على قربة وطاعة فهو نذر ويمين.
وبناء عليه، فإن كنت عاهدت الله على المواظبة والقيام بما هو طاعة ، فإن هذا يعتبر نذرا ويمينا على الراجح من أقوال أهل العلم، كما في الفتوى رقم: 29746.
وبالتالي، فتلزمك كفارة يمين ولو كنت قمت بجزء منه كالنصف مثلا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وأما ما تكرر من عدم الوفاء لنفس النقاط في عهود وأزمنة مستقلة ومختلفة فإنه لا تتكرر به الكفارة؛ لأن السائل تنحل يمينه بحنثه فيه، ولا يجب عليه تكرار الكفارة إلا إذا كان لفظ يمينه يقتضي التكرار، أو نوى بيمينه تكرر الكفارة بتكرر مخالفة ما عاهد الله عليه.
قال الزركشي في (المنثور): متى وجد الحنث مرة انحلت اليمين ولا تعاد مرة ثانية. اهـ.
وقال القرافي في (الفروق): الفرق بين قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت يتكرر التأثيم، وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت لا تتكرر بتكررها الكفارة، والجميع مخالفة، بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولى ويسقط حكم اليمين، بخلاف النهي فإنه يبقى مستمرا وإن خولف ألف مرة ويتكرر الإثم بتكرره. اهـ.
وقال خليل في مختصره: تكررت إن قصد تكرر الحنث، أو كان العرف: كعدم ترك الوتر، أو نوى كفارات، أو قال لا ولا، أو حلف أن لا يحنث أو بالقرآن والمصحف والكتاب أو دل لفظه بجمع، أو بكلما أو مهما .. اهـ.
وقال ابن الحاجب في (جامع الأمهات): لا يتكرر الحنث بتكرر الفعل ما لم يكن لفظ يدل عليه مثل (كلما) و(مهما) .. أو قصد إليه، أو كان المقصد العرفي. اهـ.
والله أعلم.