عنوان الفتوى : شبهة حول نزول الله إلى السماء الدنيا مع اختلاف الثلث الأخير باختلاف البلدان

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

إذا كان الله ينزل في السماء الدنيا في الثلث الأخير فهذا يعني أنه دائم في السماء الدنيا ، وسياق الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم ينزل يدل أنه كان في السماء السابعة عزوجل ، فأرجو بيان الأمر .

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
ينزل الرب تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، كما تواترت بذلك الأحاديث، وهو نزول يليق بجلاله سبحانه ، لا نستطيع أن نكيفه أو نتصوره ، وليس هو كنزول المخلوق بالانتقال من مكان إلى مكان ، بحيث يكون شيء فوقه، بل ينزل إلى السماء الدنيا، وهو على عرشه، وفوق جميع خلقه، فلا يكون شيء فوقه.
وهذا مغاير لنزول المخلوق، ولا يمكن للعبد تخيله، وليس له أن يتوهم أو يتخيل؛ فهو سبحانه "لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام" كما قال سبحانه : (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) طه/110 .

وما قيل في المكان يقال مثله في الزمان، فنزول الله عز وجل على أهل كل بلد يكون في ثلث ليلهم الأخير، ولا يقال: إنه يلزم من ذلك أن يكون نازلا طول الليل لأن الثلث يختلف باختلاف البلدان، فهذا إنما يقال إذا كان النزول كنزول المخلوق، وأما الله تعالى فلا نعلم كيفية نزوله، فلا نتحكم عليه بلوازم نزول خلقه ، فإن هذا من أعظم أسباب ضلال الفرق في باب الأسماء والصفات.
وهو ـ تعالى ـ قادر على أن ينزل نزولا واحدا، يقع لكل بلد في ثلثهم الأخير، ولا يكون متصفا بالنزول على الدوام.

والواجب أن نصفه بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نخوض ولا نتكلف ، ولا نضرب له الأمثال، ولا نشبه نزوله بنزول المخلوق الذي يتقيد بالزمان والمكان.

ألا ترى أن الله تعالى يحاسب الخلق جميعا في ساعة واحدة، يراه العبد مُخلياً به ، يتجلى له ربه ، ويناجيه ؛ لا يرى أنه متخلياً لغيره ، ولا مخاطباً لغيره.

فليس هذا إلا لله تعالى ، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
أليس هو سبحانه في اللحظة الواحدة يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويجيب هذا، وينصر ذاك، وينتقم من آخرين، لا يشغله سبحانه شأن عن شأن؟

وهذه الشبهة أجاب عنها أهل العلم قديما، وبينوا أنها لا تصدر ممن يؤمن بعظمة الله تعالى ويقدره حق قدره.
قال ابن رجب رحمه الله: "وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا [أي علم النجوم] على حديث النزول ثلث الليل الآخر، وقال: ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان ؛ فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين.
ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه، بل بادروا إلى عقوبته ، وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين" انتهى من "فضل علم السلف على الخلف" ص3.

وأجاب شيخ الإسلام عن هذه الشبهة فقال: "ومن هنا يظهر الجواب عما ذكره ابن حزم وغيره في حديث النزول حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر، فقالوا: قد ثبت أن الليل يختلف بالنسبة إلى الناس، فيكون أوله ونصفه وثلثه بالمشرق، قبل أوله ونصفه وثلثه بالمغرب. قالوا: فلو كان النزول هو النزول المعروف، للزم أن ينزل في جميع أجزاء الليل؛ إذ لا يزال في الأرض ليل. قالوا: أو لا يزال نازلاً وصاعداً، وهو جمع بين الضدين؟
وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله ما يتخيلونه من نزول أحدهم، وهذا عين التمثيل، ثم إنهم بعد ذلك جعلوه كالواحد العاجز منهم ، الذي لا يمكنه أن يجمع من الأفعال ما يعجز غيره عن جمعه.
وقد جاءت الأحاديث بأنه يحاسب خلقه يوم القيامة ، كل منهم يراه مخلياً به ، يتجلى ويناجيه ، لا يرى أنه متخلياً لغيره ولا مخاطباً لغيره.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين ، يقول الله حمدني عبدي ، وإذا قال الرحمن الرحيم ، قال الله أثنى على عبدي، فكل من الناس يناجيه ، والله تعالى يقول لكل منهم ذلك، ولا يشغله شأن عن شأن.
وذلك كما قيل لابن عباس: كيف يحاسب الله تعالى الخلق في ساعة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة.
ومن مثّل مفعولاته التي خلقها ، بمفعولات غيره، فقد وقع [في] تمثيل المجوس القدرية، فكيف بمن مثّل أفعاله بنفسه ، أو صفاته بفعل غيره وصفته.
يقال لهؤلاء: أنتم تعلمون أن الشمس جسم واحد، وهي متحركة حركة واحدة متناسبة لا تختلف، ثم إنها بهذه الحركة الواحدة تكون طالعة على قوم ، وغاربة عن آخرين، وقريبة من قوم وبعيدة عن آخرين، فيكون عند قوم عنها ليل، وعند قوم نهار، وعند قوم شتاء، وعند قوم صيف، وعند قوم حر، وعند قوم برد، فإذا كانت حركة واحدة يكون عنها ليل ونهار في وقت واحد لطائفتين، وشتاء وصيف في وقت واحد لطائفتين .
فكيف يمتنع على خالق كل شيء الواحد القهار ، أن يكون نزوله إلى عباده ، ونداؤه إياهم في ثلث ليلهم ، وإن كان مختلفاً بالنسبة إليهم، وهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يحتاج أن ينزل على هؤلاء ، ثم ينزل على هؤلاء، بل في الوقت الواحد الذي يكون ثلثاً عند هؤلاء ، وفجراً عند هؤلاء، يكون نزوله إلى سماء هؤلاء الدنيا ، وصعوده عن سماء هؤلاء الدنيا .
فسبحان الله الواحد القهار ؛ (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) [الصافات 180-182]" انتهى من " بيان تلبيس الجهمية "(4/54).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "والنزول في كل بلاد بحسبها؛ لأن نزول الله سبحانه لا يشبه نزول خلقه ، وهو سبحانه يوصف بالنزول في الثلث الأخير من الليل ، في جميع أنحاء العالم على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه ، ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو ، كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، وقال عز وجل : ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (4/ 420).

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...