عنوان الفتوى : قوله تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) لا ينفي تعدد الأقمار
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم : ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) نوح/ 15، 16 ، صدق الله العلي العظيم. هنا قال الحق: (وجعل القمر فيهن نورا) أي: نورا في السبع سماوات، ولكن بعد وصول الإنسان إلى الفضاء اكتشف مليارات الأقمار! فكيف ذكر الله سبحانه وتعالى قمرا واحدا في السبع سماوات وهناك الكثير منه في الفضاء؟
الحمد لله
القمر المذكور في سورة نوح لا يُشْكِل بوجه من الوجوه ، مع توافر الأقمار في فضاء
السماوات ، ومدارات الكواكب ، وذلك من وجوه عديدة:
أولا:
الآية الكريمة لم تخصص قمرا واحدا، والتركيب اللغوي المستعمل فيها لا يفيد الحصر
ولا القصر، فقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) نوح/
15، 16 غايته – في هذا المقام – إثبات نورانية القمر، دون التعرض لغيره من الأقمار
بنفي ولا إثبات ، مثالها كما تقول: "جعلت هذا الكتاب نبراسي". فهذا لا ينفي أنك
جعلت غيره من الكتب أو المعلمين أيضا نبراسا لك ، وفي مكان معتبر من التقدير
والاهتمام ، وهذا واضح في اللغة العربية ؛ ولهذا قرر أكثر علماء الأصول عدم حجية ما
يسمى بمفهوم اللقب، وهو الاستدلال بالحكم على اسم جنس أو علم على نفي الحكم عما
عداه.
يقول ابن قدامة رحمه الله:
"[مفهوم اللقب] أن يخص اسمًا بحكم ، فيدل على أن ما عداه بخلافه : أنكره الأكثرون،
وهو الصحيح؛ لأنه يفضي إلى سد باب القياس" .
انتهى من "روضة الناظر" (2/ 137) ، وانظر: "البحر المحيط" (5/148-155) .
ثانيا:
سياق الآيات واضح التعلق بالمخاطبين من قوم نوح، فقد كان عليه السلام يحاورهم،
ويجادلهم بالتي هي أحسن، ويستعمل معهم الآيات والبراهين الواضحات والمشاهدات كي
يقيسوا عليها ويعتبروا بها، والآية الكريمة هنا في معرض سياق هذا الحوار، فخاطبهم
قائلا (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا) .
وهؤلاء الأقوام لا يعلمون من الفضاء الفسيح أقمارا سوى هذا القمر الذي يرونه
ويشاهدونه، ولم يكن من المناسب أن يحاججهم عليه السلام بما لا يعرفونه من آيات
الكون المنظور، فاقتصر على ذكر القمر المعروف لكل الناس، ودعاهم إلى الاعتبار بعظمة
هذا الخلق وجليل آياته على توحيد الله سبحانه ، ونبذ كل ما يدعى من دونه.
ولو حدثهم عن أقمار عديدة في السماوات العلى لارتد ذلك عليهم بمزيد من الكفران
والطغيان، وسيكيلون له التهم جزافا بالجنون والسحر وحديث الخرافات ، ولما استطاع
عليه السلام أن يقيم لهم برهانا على ذلك – بحكم ذلك الزمن – وحينئذ سوف تبطل حجته
عليهم ، وتزيدهم كفرا إلى كفرهم ؛ فكان الصواب الاقتصار على ذكر القمر الواحد.
ثالثا:
وذهب بعض العلماء إلى أن الألف واللام (أل) في كلمة (القمر) في الآية الكريمة ليست
للعهد، وإنما يراد بها الجنس ، أي جنس الأقمار جعلها الله عز وجل نورا في السماوات،
وهذا يمكن أن يشمل القمر التابع للكرة الأرضية، وغيره من الأقمار.
يقول العلامة جمال الدين القاسمي رحمه الله:
" ليس القمر خاصا بالأرض، بل للسيارات الأخرى أقمار (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ
نُوراً) [نوح: 16] فالألف واللام في الْقَمَرَ للجنس ، لا للعهد، كما في قوله تعالى:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: 4]" انتهى من "محاسن
التأويل" (1/ 210) .
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
"وأما الأقمار فهي كالمرآة ، تعكس نور الشمس على الكواكب التابعة لها؛ فلذا لم تسم
في القرآن بالسُّرج، فإنها لا نور لها من ذاتها، قال الله تعالى: ( أَلَمْ تَرَوْا
كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً. وَجَعَلَ القَمَرَ ) - (نوح:
15-16) أي: جنس القمر ِ- ( فيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ) (نوح:16)
، أي : لهم جميعًا" انتهى من "مجلة المنار" (14/ 577) .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |