عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الحدث المتقطع، وآثار الصحابة في ذلك

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل كل علماء الأمه يفرقون بين صاحب السلس الدائم وغير الدائم؟ وهل كل العلماء يرون السلس المنقطع ناقضا للوضوء؟ وهل كلهم يوجبون التحفظ منه؟ وماهو رأي الصحابة مثل ابن عباس وعمر بن الخطاب في السلس سواء كان دائما، أو منقطعا؟.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فراجع الفتوى رقم: 136434، وتوابعها بخصوص الحدث المتقطع، فقد ذكرنا الكلام على الانقطاع المتغير، وأثره.

وراجع المذهب المالكي في ذلك بالفتوى رقم: 75637.

وبهذا يتبين لك أن الحدث المتقطع ليس درجة واحدة، وأن بعض الحنابلة يعتبر أن المتقطع تقطعاً متغيراً كصاحب السلس المتصل، وأن المالكية يعتبرون الحدث متصلاً إذا لازم نصف الوقت فأكثر، ويبقى أن من كان ينزل منه قطرات يسيرة بعد البول، وتنقطع، ولا تعود، ويمكنه أن يصلي بطهارة، وصلاة في الوقت، فهو عند هؤلاء في حكم المعافى، تشمله الأدلة العامة في وجوب الطهارة للصلاة، جاء في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي: قَوْلُهُ: وَتَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٌ أَوْ جُرْحٌ لَا يَرْقَأُ لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ... وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ... وَإِنَّمَا كَانَ وُضُوؤهَا لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ لَا لِكُلِّ صَلَاةٍ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ـ رَوَاهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَحَدِيثُ: تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ ـ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّامَ لِلْوَقْتِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ رَعَفَ أَوْ سَالَ مِنْ جُرْحِهِ دَمٌ يَنْتَظِرُ آخِرَ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى وَانْقَطَعَ الدَّمُ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى تَوَضَّأَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ جَازَتْ الصَّلَاةُ. اهـ.

وجاء في المنهاج للنووي الشافعي: والاستحاضة حدث دائم كسلس، فلا تمنع الصوم والصلاة، فتغسل المستحاضة فرجها وتعصبه، وتتوضأ وقت الصلاة، وتبادر بها فلو أخرت لمصلحة الصلاة كستر وانتظار جماعة لم يضر، وإلا فيضر على الصحيح، ويجب الوضوء لكل فرض، وكذا تجديد العصابة في الأصح، ولو انقطع دمها بعد الوضوء، ولم تعتد انقطاعه وعوده أو اعتادت ووسع زمن الانقطاع وضوءا والصلاة وجب الوضوء. انتهى.

وأما بخصوص مذاهب الصحابة في هذه المسألة: فلم نجد فيما اطلعنا عليه إلا قصة واحدة عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ فكأن غالب الناس على السلامة، ولم نجد شيئاً في خصوص المسألة عن عمر، أو ابن عباس ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وأما أثر زيد بن ثابت فقد روى الدارقطني، وعبد الرزاق، وغيرهما: عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَبِرَ زَيْدٌ حَتَّى سَلَسَ مِنْهُ الْبَوْلُ فَكَانَ يُدَاوِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا غَلَبَهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى.

ولفظ الدارقطني: عن خارجة بن زيد: قال كان زيد بن ثابت قد سلس منه البول فكان يداري ما غلبه منه، فلما غلبه أرسله وكان يصلي وهو يخرج منه. وقد أورده زكريا بن غلام باكستاني في: ما صح من آثار الصحابة في الفقه، ورواه البيهقي في الكبرى من طريق عبد الرزاق، وقال: وَقَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ حَدِيثٌ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ ـ ورواه البيهقي في السنن الصغرى: عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ سَلَسَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ , فَكَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ـ وقد ذكره الشافعي في الأم، والذي يظهر أنه رضي الله عنه كان يتعامل على أنه حدث معتاد طالما أنه حدث متقطع، فلما غلبه، وصار متصلاَ، توضأ لكل صلاة، كصاحب السلس، وبالتالي، فهو حجة لمذهب جمهور العلماء، وقد احتج به الشافعي، وغيره.

وروى البيهقي في معرفة السنن والآثار: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ: دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ، مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا عُمَرُ، فَأَوْقَظَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: الصَّلَاةَ، الِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ, وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى عُمَرُ، وَجُرْحُهُ يَثْعُبُ دَمًاـ وقد ذكره ابن كثير في مسند الفاروق محتجاً به على عدم انتقاض طهارة صاحب السلس.

وقد يعارض بأن يقال إن الدم الخارج من غير الفرج لا ينقض الوضوء، وانظر الفتويين رقم: 214162، ورقم: 9003.

ونُقِلت بعض الآثار في علاج وسواس الطهارة التي قد تُظن أنه سلس، فروى البيهقي في السنن الصغرى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَكَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ بِذَكَرِي بَلَلًا، قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ، إِنَّهُ يَمَسُّ ذَكَرَ الْإِنْسَانِ فِي صَلَاتِهِ لِيُرِيَهُ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ، فَإِذَا تَوَضَّأتَ فَانْضَحْ فَرْجَكَ بِالْمَاءِ، فَإِنْ وَجَدْتَ قُلْتَ: هُوَ مِنَ الْمَاءِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَذَهَبَ.

والله أعلم.