عنوان الفتوى : سفر المرأة دون إذن وليها.. حالات الجواز والمنع
لدي مشروع معرض رسومات للأخوات، طالبات المدارس في سوريا، رسومات تخطيط آيات قرآنية، ومناظر طبيعية. ويعود مردود الرسومات للأخوات. أنا مقيمة في بلد مجاور لسوريا، وسأسافر مع أخوات لي، عاملات في التمريض، ومدة سفري لقلب المدينة تستغرق 3 ساعات في السيارة، مع العلم أن السيارة هي عبارة عن وسائل نقل من الحدود إلى المدن، ولا تخلو من العائلات، والنساء. هل سفري في الشرع جائز؟ وهل عملي هذا يعد في سبيل الله وأؤجر عليه؟ وإن قتلت أتقبل عند الله شهيدة؟ وكيف أعلم أن نيتي خالصة لله وحده؟ وإن ذهبت من غير علم ولي الأمر هل أكون آثمة، وإقامتي هناك 3 أيام؟ أرجوكم أجيبوني فإني مضطرة جدا، فالسفر غدا، فإن كان حلالا فسأتوكل على الله، وإن كان غير جائز فسأمتنع عنه.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن المرأة لا يجوز لها السفر بغير محرم منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة مسلمة، تسافر مسيرة ليلة، إلا ومعها رجل ذو حرمة منها. متفق عليه.
قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج، أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب، أو أسيرة تخلصت. اهـ.
وهذا الحكم عام في كل ما يسمى عند الناس سفرا، كما بيناه في الفتوى رقم: 6219 .
وعليه، فإذا كانت هذه المسافة تسمى سفرا، فلا يجوز لك السفر بدون محرم.
وأما قولك: (وان ذهبت من غير علم ولي الأمر آثمة) بمعنى حكم السفر دون علم الولي - مع وجود المحرم في السفر - ، فيقال: إن كان الولي زوجا، فلا إشكال في أنه لا يجوز السفر مطلقا بغير علمه.
قال ابن عثيمين: لا يحل للمرأة أن تسافر إلا بإذن زوجها، ولا يحل لها إذا أذن لها أن تسافر إلا بمحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه) فكيف بسفرها، ومغادرتها زوجها، وترك أولادها عند الزوج يتعب فيهم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (نهى أن تسافر المرأة بدون محرم) وللزوج أن يمنع زوجته من السفر .اهـ.
وقال: ولكن على كل حال، لا يجوز لها أن تسافر بدون علمه، ولا أن تخرج من بيته بدون إذنه.اهـ.
وأما إن كان وليك هو والدك: فالظاهر أنه لا يجوز لك هذا السفر بغير علمه، لا سيما وأن سفرك هذا مخوف، وذلك من أجل القتال الحاصل في سوريا - عجل الله بنجاء المسلمين منه - ، فيلحق حكمه بحكم الجهاد، وهو لا يجوز بغير إذن الوالدين.
قال السرخسي: إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه، نحو ركوب البحر، فحينئذ حكم هذا، وحكم الخروج إلى الجهاد سواء؛ لأن خطر الهلاك فيه أظهر. اهـ. وراجعي في هذا الفتويين: 60672 110793 .
وأما إن كان الولي غير الزوج، والأب فالظاهر أنه جائز؛ لأن بعض العلماء أجاز خروج الفتاة من بيت وليها بشرط انتفاء الريبة، وتهمة التعرض للفساد؛ وراجعي في هذا الفتوى رقم: 73650 .
وعلى كل حال، فالواجب عليك الكف عن هذا السفر إلا بوجود المحرم معك، ويرجى أن يكتب الله لك أجر عملك إذا لم تتمكني من السفر لعدم وجود المحرم، أو عدم إذن زوجك أو أبيك.
وأما العمل: فما دام فيه نفع للناس في دينهم، ودنياهم، فهو من عمل الخير الذي يؤجر عليه المسلم، - فكل معروف صدقة؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري - ، لكن نبل هذه الغاية لا يسوغ ركوب الوسيلة المنهي عنها في الشرع من السفر دون محرم، ودون إذن الولي.
وأما القتل: فقد بينا متى يكون المقتول شهيدا، وذلك في الفتوى رقم: 26390 .
وأما إخلاص النية فقد تكملنا عنه في فتاوى عدة، منها في الفتويين: 52210، 10396، والمؤمن يجاهد نفسه في تحقيق الإخلاص في أعماله، لكن لا يجزم ولا يدعي لنفسه أنه مخلص، بل يتهم نفسه ونيته، ويجاهدها في تحقيق الإخلاص، وصرف عوارضه من الرياء، وإرادة غير وجه الله.
والله أعلم.