عنوان الفتوى : أحكام الوعد المعلق على شرط

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

ما يقول علماء الملة البيضاء في المسألة التالية تحت أضواء الأدلة الشرعية ههنا في بلد عربي، حميد قل، وابنه اسلام قل، كلاهما يشتغلان في الجيش لكن قال ابنه اترك العمل، ووعده بأني أرسل لكم نصف راتبي(4545) من كل شهر، فترك أبوه العمل فابنه يرسل أقل مما وعده، لكن لما ذهب ابنه في إجازته السنوية فأراد خفية أخذ جواز زوجته حتى يذهب بالزوجة والأولاد إلى البلد الذي يعمل فيه فمنعه أبوه من ذلك لأنه وعده كذا وكذا بأن ما أذهب بالأهل والعيال، ثم أتى ابنه بالشفيع ووضع القرآن الكريم أمامه بأنه ما يخالف الوعد ويرسل لكم نصف راتبه (الآن 5600) فترك أبوه زوجته وأولادهما ثم إنه أرسل لوالده سنة واحدة نصف راتبه، والآن يقول ابنه لن أرسل لأبي فلوساً لأن لي زوجة وأولاداً، ولوالدي ولد آخر وهو يرسل له فطلب أبوه الاستفتاء من أحد مفتي المدرسة في الباكستان فأفتى له بأنه ليس لأبيه حق واجب على الولد لأنه ليس بمعسر، لأنه يجب على الولد الموسر نفقة الوالدين المعسرين كما في الفتاوى الهندية 1/564 وأما الوفاء بالوعد فلا يلزم شرعاً كما في العقود الدرية: 2/353 فالرجاء إفتاءنا في هذه المسألة تحت الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم أليس للوالد حق واجب على الولد؟ لاسيما أنه ترك على أبيه العمل في الجيش ووعده وقد اعتمد أبوه على القرآن الكريم بأنه لا يخالف وعده، أليس الوفاء بالعهد لازم عليه أليس هذا الحديث صحيحاً: "أنت ومالك لأبيك" جزاكم الله خيراً.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالذي يظهر لنا -والله تعالى أعلم- أن هذا الولد ملزم بدفع نصف راتبه لوالده نتيجة لما أوقعه فيه من التخلي عن عمله، ثقة بقوله، واتكالاً على وعده لعموم الآيات والأحاديث الصحيحة المصرحة بالأمر بالوفاء بالوعد والتي تذم مخلفي وعودهم الناقضين لعهودهم والتزاماتهم، وهذه العمومات وحدها تكفي لإلزام هذا الرجل ما التزم به لوالده، ويضاف إلى ذلك أن الحنفية والمالكية يلزمون بهذا النوع من الوعد، فيلزم الوعد عند الحنفية إذا صدر معلقاً على شرط منعاً لتغرير الموعود، وعبروا عن ذلك بقاعدة فقهية وهي "المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة"
قال ابن نجيم: لا يلزم الوعد إلا إذا كان معلقاً مثل أن يقول شخص لآخر: إذا لم يعطك فلان ثمن المبيع فأنا أعطيه لك. فيلزمه إعطاؤه حينئذ لأن الوعد اكتسى صفة الالتزام والتعهد.
أما المالكية فيلزم الواعد عندهم بوعده قضاء إن أدخل الموعود في ورطة أو كان وعده مقرونا بذكر السبب، ومثلوا لذلك برجل أراد السفر مع أمه فقال له عمه: اترك السفر مع أمك، وأزوجك ابنتي وأعطيك عشرة مثاقيل، فترك المسير مع أمه إلى آخره، وهو أيضاً -أعني وجوب الوفاء بالوعد- وجه عند الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال المرداوي في الإنصاف بعد أن ذكر أن المذهب عدم لزوم الوفاء بالوعد: وذكر الشيخ تقي الدين وجها أنه يلزمه واختاره، ولله در الشيخ القليوبي -وهو شافعي- حيث قال: قولهم الوعد لا يجب الوفاء به مشكل لمخالفته، ظاهر الآية والسنة ولأن خلفه كذب وهو من خصال المنافقين. انتهى

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت جمادى الأولى سنة 1409 هـ أثناء كلامه على موضوعي الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء: الوعد: وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب، ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر. انتهى

ناهيك عما يترتب على عدم التزام هذا الولد لوالده بما التزمه له، وتنكره له من العقوق الذي هو أكبر الكبائر.
لكنا ننصح الوالد بالرفق بولده وأن لا يحمله ما يسبب له التقصير في الحقوق الواجبة عليه لزوجته وأولاده ولوازمه الضرورية خصوصاً إذا كان في غنى عن ذلك، أو كان عنده ولد آخر يعينه ويساعده مادياً ونسأل الله عز وجل أن يوفق بين المسلمين وأن يؤلف بين قلوبهم.
والله أعلم.