عنوان الفتوى : هل قول يا محمد أو يا محمداه شرك؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا شاب أحيانا أقول : يا محمد ، يا علي ، يا سيدي فلان ، وشخص قال لي : هذا شرك ، قلت له : أنا لم أشرك ، وأنا أشهد بأن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد ، وعلي ، ويا سيدي فلان ليسوا آله مع الله ، وقد رأيت حديث صحابي ورجل خدرت رجله ، فقال له اذكر أحب الناس إليك ، فقال : يا محمد ، وذهب خدره. وفي إحد معارك المسلمين شعارهم يا محمداه فإذا كانوا أشركوا لماذا لم ينهاهم الصحابة ؟ وأخوة يوسف : ( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) ، ولم يقولوا يا الله اغفر لنا أو استغفر ؟ فإذا كانوا أشركوا فلماذا لم يرد عليهم بأنه هذا خطأ ؟ فهل أنا مشرك الآن أم لا ؟ وإذا أشركت فهل يغفر الله سبحانه وتعالى لمن وقع في الشرك ؟

مدة قراءة الإجابة : 14 دقائق


الحمد لله
أولا:
قول الإنسان: يا محمد، يا علي، يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون من استحضار صورة المخاطب، دون أن يطلب منه شيئا، كأن يقول: يا محمد، ويسكت، أو يقول: يا محمد صلى الله عليك، وهذا ليس شركا؛ لأنه لم يتضمن دعاء لغير الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قوله : ( يا محمد يا نبي الله ) هذا وأمثاله نداء ، يطلب به استحضار المنادى في القلب ، فيخاطب المشهود بالقلب ، كما يقول المصلي : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا ، يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم " (2/319).

الثاني: أن يشتمل هذا النداء على طلب صريح، كأن يقول: يا محمد افعل لي كذا وكذا، أو يشتمل على طلب غير صريح، كمن يحمل صخرة أو شيئا ثقيلا، فيقول: يا محمد، فهذا من طلب الاستعانة، وكلاهما شرك بالله تعالى، لأن دعاء غير الله ، من الأموات أو الغائبين : شرك ، كما دلت عليه النصوص والإجماع.
قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) الأعراف/37 .
وقال تعالى: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) (يونس/106 .
وقال سبحانه: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) العنكبوت/65. ويشركون هنا : أي يدعون غيره.
وقال: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117، وهذا حكم عام فيمن دعا غير الله ، ولا فرق في ذلك بين أن يسميه إلها أو سيدا أو وليا أو قطبا ، فإن الإله في اللغة هو المعبود ، فمن عبد غير الله فقد اتخذه إلها وإن أنكر ذلك بلسانه.
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الواضحة البينة.
وفي صحيح البخاري (4497) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ ).
وقد حكى العلماء الإجماع على كفر من يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ، ولم يستثنوا من ذلك دعاء النبي صلى الله عليه ولا غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات : فهو كافر بإجماع المسلمين " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/124).
وهذا الإجماع نقله غير واحد من أهل العلم مقرين له ، وانظر في ذلك : "الفروع" لابن مفلح 6/165 ، "الإنصاف" 10/327 ، "كشاف القناع" 6/169 ، "مطالب أولي النهى" 6/279 .
قال في كشاف القناع بعد ذكر هذا الإجماع في باب حكم المرتد: "لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)" انتهى.
ثانيا:
ليس في الكتاب ولا في السنة ما يمكن أن يستدل به استدلالا صحيحا على جواز هذا الشرك، فضلا عن الدعوة إليه والترغيب فيه، وأنّى يكون ذلك، فشيء جعله الله شركا وكفرا في محكم كتابه ؛ كيف يأتي ما يجعله مباحا !

وما ذكرت من الأثر الوارد في خدر الرجل، لا يصح سنده، ولو صح فلا حجة فيه؛ إذ هو من استحضار صورة المخاطب كما ذكرنا، ولا يتضمن طلبا من غير الله.
وقد سبق الكلام مفصلاً على هذا الأثر في جواب السؤال رقم : (162967) .

ثالثا:
شعار "يا محمداه" أو "وا محمداه" : لم يصح استعماله من قبل الصحابة في معاركهم، كما سياتي، وعلى فرض صحته، فليس من باب الاستغاثة والطلب؛ إذ لا طلب فيه كما هو ظاهر، وإنما هو من باب النُّدبة، وهي نداء المتفجَّع عليه ، فكأن المسلمين بهذا يستنهضون الهمم ، بالتفجع على رسول الله صلى عليه وسلم، والتفجع على دينه، كقولهم: وا إسلاماه.
والندبة تقع بوا، وتقع بيا عند عدم اللبس، كما قال ابن مالك في الألفية:
... و(وا) لمن نُدب * أو (يا) ، وغير (واو) لدى اللبس اجتُنب.
قال الأشموني: " (وَوَا لِمَنْ نُدِبْ) وهو المتفجَّع عليه ، أو المتوجَّع منه، نحو: وا ولداه، وا رأساه (أَو يَا) نحو يا ولداه، يا رأساه (وَغَيرُ وَا) وهو يا (لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ) أي لا تستعمل يا في النُّدبة إلا عند أمن اللبس ، كقوله:
حَمَلتَ أَمْرَاً عَظِيمَاً فَاصْطَبَرْتَ لَهُ * وَقُمْتَ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ ؛ يَا عُمَرَا
فإن خيف اللبس : تعينت وا" انتهى من شرح "الأشموني على ألفية ابن مالك "(1/ 233).
ومن ذلك قول فاطمة رضي الله عنها عند ، وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم: يا أبتاه أجاب ربا دعاه. وفي رواية: وا أبتاه أجاب ربا دعاه.
روى البخاري (4462) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام : وَا كَرْبَ أَبَاهُ !!
فَقَالَ لَهَا : ( لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ ).
فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ : يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ ؛ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ !!
فَلَمَّا دُفِنَ ، قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام : يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ ؟! " .

وعند ابن ماجه (1630) ( وَا أَبَتَاهُ ، إِلَى جِبْرَائِيلَ أَنْعَاهُ ، وَا أَبَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ ، وَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ ، وَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ).

فهذا من باب الندبة لا من باب الاستغاثة والطلب.
قال الحافظ ابن حجر: " قوله: "يا أبتاه" كأنها قالت: يا أبي، والمثناة بدل من التحتانية، والألف للندبة ولمد الصوت، والهاء للسكت" انتهى من " فتح الباري " (8/ 149).

على أن هذا الشعار لم يثبت كما أشرنا.
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله ردا على من قال: " ذكر الحافظ ابن كثير أن شعار المسلمين في موقعة اليمامة كان [محمداه]" :
"أقول: ابن كثير - رحمه الله - ساق ذلك في ضمن خبر طويل عن الغزوة، دخل حديث بعض الأخباريين في بعض. وأما هذا الشعار فقد روى خبره ابن جرير في "تاريخ الأمم والملوك" (3/293) قال: (كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضحاك بن يربوع عن أبيه عن رجل من بني سحيم..) فذكر قصة وفيها الشعار.
أقول: هذا إسنادٌ مظلم، وما عهدت مسائل العقيدة والتوحيد، بل ولا غيرها من أحكام الشريعة
تؤخذ من كتب التاريخ، وإنما تروى قصص التأريخ للعبرة والعظة، والتصديق بمجموعها، لا تفاصيلها، ولهذا قال أحمد بن حنبل: (ثلاثة ليس لها أصول وذكر المغازي..) .
وإظلام هذا الإسناد من ثلاث جهات:
الأولى: سيف هو ابن عمر مصنف "الفتوح"، و"الردة"، يروي عن خلق كثير من المجهولين.
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/255): "روى مطيّن عن يحيى: فَلْس خير منه. وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: متروك.
وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة.
وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر.." اهـ.
الثانية: الضحاك بن يربوع: قال الأزدي: حديثه ليس بقائم. قلت: وهو من المجهولين الذين تفرد بالرواية عنهم سيف.
الثالثة: جهالة يربوع والرجل السحيمي.
وكل واحدة من هذه العلل والقوادح تضعف الحديث، فكيف وهو من رواية سيف بن عمر؟! وقد عرفت ما فيه، نسأل الله العافية.
ولا يُستنكر إيراد ابن جرير لمثل هذه الحكايات الواهيات، وتتابع المؤرخين بعده على ذكرها، فقد قال ابن جرير - رحمه الله - في مقدمة كتابه "تاريخ الأمم والملوك" (1/8) ما نصه: (فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارؤه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة: فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُديَ إلينا)" .
انتهى من "هذه مفاهيمنا" للشيخ صالح آل الشيخ ص52.

رابعا:
قوله تعالى عن إخوة يوسف: (قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يوسف/97، 98 .
هو من طلب الدعاء من الحي القادر عليه، وهذا لا حرج فيه إجماعا.
فقولهم : (استغفر) ؛ أي اطلب المغفرة لنا، وما قالوا: اغفر لنا، كما توهمت.

وقد دل على جواز طلب الدعاء من الغير أدلة منها حديث أويس القرني الطويل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : ( .. فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ) فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ : (اسْتَغْفِرْ لِي ) رواه مسلم (2542) .
قال النووي رحمه الله: " باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل ، وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه ، والدعاء في المواضع الشريفة :
اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر ، وهو أمر مجمع عليه " .
انتهى باختصار من " الأذكار " (ص/643).
وحاصل ما تقدم أن قول الإنسان: يا محمد (صلى الله عليه وسلم)، الأصل أنه جائز، ما لم يقترن بطلب صريح أو متضمن، فإنه يكون شركا.

ومع ذلك فالنصيحة لك بتجنب هذا النداء أو الإكثار منه لأمرين:
الأول: أنه قد يساء بك الظن، وأنك تطلب من غير الله .
الثاني: أنك قد تعتاد ذلك، فتستدعيه عند مزاولة الأعمال والحاجة إلى المعين، ولهذا ينبغي أن تعود لسانك: يا الله، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، ولا أشرف للعبد من سؤاله سيده، والتضرع إليه، ومناداته في جميع أحواله.

خامسا:
من وقع في الشرك فتاب، تاب الله عليه. قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68 - 70.
والله أعلم.