عنوان الفتوى : صحة حديث إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا
ما صحة هذا الحديث : عن عائشة رضي الله عنها قالت : " فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ، فخرجت ، فإذا هو بالبقيع ، فقال : ( أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ) ، قلت : يا رسول الله ، إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : ( إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) ؟
الحمد لله
الحديث بهذا اللفظ رواه أحمد (26018) ، والترمذي (736) ، وابن ماجه (1389) عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: " فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَخَرَجْتُ ، فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى
السَّمَاءِ ، فَقَالَ لِي : ( أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ
وَرَسُولُهُ ؟ ) ، قَالَتْ : قُلْتُ : ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ
، فَقَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ
غَنَمِ كَلْبٍ).
والحديث ضعفه البخاري ، والترمذي ، والألباني ، ومحققو المسند ، ط الرسالة .
قال الترمذي: " حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج، وسمعت محمدا
[يعني البخاري] يضعف هذا الحديث ، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج
بن أرطاه لم يسمع من يحيى بن أبي كثير" انتهى.
وقال محققو المسند : "إسناده ضعيف لضعف حجاج بن أرطاة ولانقطاعه" انتهى.
وقال في "تحفة الأحوذي" (3/365): " ( أن يحيف ) أي يجور ويظلم .
( الله عليك ورسوله ) ... يعني: ظننت أني ظلمتك بأن جعلت من نوبتك لغيرك؟ وذلك مناف
لمن تصدى لمنصب الرسالة.
( قلت: يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك ) أي زوجاتك لبعض مهماتك ، فأردت
تحقيقها، وحملني على هذا الغيرة الحاصلة للنساء التي تخرجهن عن دائرة العقل ،
وحائزة التدبر للعاقبة ، من المعاتبة أو المعاقبة.
والحاصل : أني ما ظننت أن يحيف الله ورسوله علي أو على غيري، بل ظننت أنك بأمر من
الله أو باجتهاد منك ، خرجت من عندي لبعض نسائك ، لأن عادتك أن تصلي النوافل في
بيتك... ( فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ): أي قبيلة بني كلب. وخصّهم لأنهم أكثر
غنما من سائر العرب" انتهى.
وأصل الحديث صحيح ، دون الزيادة المتعلقة بليلة النصف من شعبان، فقد رواه مسلم
(974) والنسائي (2037) عن عَائِشَةُ قالت:
" أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟
قُلْنَا : بَلَى .
قَالَتْ : لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي ، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ
نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى
فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ
، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا ، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا ، وَفَتَحَ الْبَابَ
فَخَرَجَ ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا ، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي ،
وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ ، حَتَّى
جَاءَ الْبَقِيعَ ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ ، فَهَرْوَلَ
فَهَرْوَلْتُ ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ .
فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ ، فَقَالَ : ( مَا لَكِ يَا عَائِشُ
حَشْيَا رَابِيَةً ؟ )
قَالَتْ : قُلْتُ : لَا شَيْءَ .
قَالَ : ( لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) .
قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَأَخْبَرْتُهُ
.
قَالَ : ( فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي ؟ )
قُلْتُ : نَعَمْ .
فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ، ثُمَّ قَالَ : ( أَظَنَنْتِ أَنْ
يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟
قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ . نَعَمْ .
قَالَ : ( فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ ، فَنَادَانِي ، فَأَخْفَاهُ
مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ
وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ
أُوقِظَكِ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ
أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ).
قَالَتْ : قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ: قُولِي : ( السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُسْلِمِينَ ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا
وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ) ".
قال النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح مسلم" (7/43): " قولها: (فأحضر فأحضرت)
الإحضار: العَدْو... (حشيا) : بفتح الحاء المهملة ، وإسكان الشين المعجمة ، مقصور ؛
معناه : وقد وقع عليك الحَشا، وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد
في كلامه، من ارتفاع النفَس وتواتره. يقال: امرأة حشياء وحشية، ورجل حشيان وحشٍ.
قيل: أصله من أصاب الربو حشاه. وقوله: (رابية) أي مرتفعة البطن...
قولها ( فلهدني ) هو بفتح الهاء والدال المهملة ، وروى فلهزني بالزاي ، وهما
متقاربان .
قال أهل اللغة : لهَده ولهّده بتخفيف الهاء وتشديدها ، أي : دفعه . ويقال لهزه ،
إذا ضربه بجُمع كفه في صدره ، ويقرب منهما : لكزه ووكزه .
قوله ( قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله . نعم ) هكذا هو في الأصول ، وهو صحيح ،
وكأنها لما قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله . صدقت نفسها ، فقالت نعم" انتهى.
وينظر للفائدة الفتوى رقم : (140084) .
والله أعلم.